أمر واقعي والإنشاء إيجاد للنسبة الخارجية، فجعل الطلب المدلول بالأمر عبارة عن الإرادة بالمعنى المذكور مما لا وجه له أصلا.
والتحقيق أن يقال - حسب ما بيناه في محله -: إن الطلب المدلول للأمر ليس إلا اقتضاء الفعل منه في الخارج الذي يعبر عنه في الفارسية ب " خواهش كردن " وهو أمر إنشائي حاصل بتوسط الصيغة لا الإرادة النفسية المعبر عنها ب " خواهش داشتن " والإرادة على الوجه الثاني مما لا يمكن تخلف المراد عنها بالنسبة إليه تعالى ويعبر عنها بالإرادة التكوينية بخلاف الأول ويعبر عنها بالإرادة التشريعية ولا ملازمة بين الإرادتين بل يمكن التخلف من كل من الجانبين عن الآخر.
وحينئذ فما ذكره العدلية من اتحاد الطلب والإرادة إن أرادوا بها الإرادة على الوجه الثاني ففساده واضح، لوضوح المغايرة بينهما كما عرفت وإن أرادوا بها الإرادة على الوجه الأول فهو الحق الذي لا محيص عنه وما ذكره الأشاعرة من المغايرة بينهما إن أرادوا بها الوجه الأول فهو فاسد قطعا، كما عرفت وإن أرادوا بها الوجه الثاني كما يومئ إليه ما استدلوا به عليه فهو متجه ومما بينا يقوم احتمال أن يكون النزاع بين الفريقين لفظيا.
وكيف كان فالحق في المسألة ما قررناه، وحينئذ فما ذكره الفاضل المستدل من اتحاد الطلب والإرادة على الوجه الذي قرره فاسد فلا يتم ما فرع عليه من وجوب المقدمة بالمعنى الذي قرره، لكن يمكن أن يقال: إن اقتضاء الفعل على وجه الحتم حسب ما قررناه قاض باقتضاء ما يتوقف عليه ذلك الفعل ولا يتم إلا به لأجل حصوله وملخصه: أن العقل بعد تصور وجوب ذي المقدمة ومعنى المقدمة ووجوبها الغيري لأجل حصول ذي المقدمة يقطع بلزوم الثاني للأول وعدم انفكاكه عنه من غير حاجة إلى الوسط فهو لازم بين له بالمعنى الأعم وهو أمر ظاهر بعد إمعان النظر في تصور الأطراف، وكان هذا هو مقصود بعض المحققين حيث حكم ببداهة وجوب المقدمة، كما مرت الإشارة إليه.
ومنها: أنه قد تقرر عند العدلية كون إيجاب الشارع وتحريمه وسائر أحكامه