لا يطاق مطلقا - هو ما كان مقارنا للفعل، كيف ولولا ذلك لزم انفتاح باب عظيم في الفقه؟ فإن من أجنب متعمدا مع عدم الماء أو أتلف الماء الموجود عنده عمدا مع علمه بعدم تمكنه من غيره لزم أن يكون مكلفا بأداء الصلاة مع الطهارة الاختيارية نظرا إلى قدرته السابقة وإقدامه على إيجاد المانع باختياره، وكذا من كان عنده استطاعة الحج فأتلف المال عمدا قبل مضي الرفقة أن يكون مكلفا بالسير معهم مع عدم تمكنه منه، وكذا من كان عنده وفاء الدين فأتلفه عمدا أن يكون مكلفا بالوفاء مع عدم تمكنه منه، بل فاسقا مقيما على العصيان بعدم الأداء، إلى غير ذلك من الفروض الكثيرة مما يقف عليه المتأمل.
فإن قلت: لا شك في كون الأفعال التوليدية حاصلة عن اختيار المكلف ولذا يجوز التكليف بها ويصح وقوعها متعلقا للمدح والذم مع أنها لا قدرة عليها حين حصولها وإنما يتعلق القدرة بها بتوسط أسبابها.
قلت: لا يلزم مما قلناه أن لا يكون الأفعال التوليدية متعلقة للقدرة مطلقا ولا عدم جواز التكليف بها رأسا، فإنه لا شك في جواز التكليف بها قبل الإتيان بالأسباب المولدة لها مع حصول القدرة على تلك الأسباب، لوضوح أنه مع القدرة على السبب يقتدر على المسبب أيضا إلا أن ذلك لا يقضي بحصول القدرة عليها وجواز تعلق التكليف بها بعد حصول أسبابها كما هو المدعى، فالتكليف بها ينقطع عند الإتيان بأسبابها، وارتفاع القدرة عليها وعدم مقدورية الفعل كما يمنع من تعلق التكليف به ابتداءا يمنع عنه استدامة، لاتحاد جهة المنع، فكما أنه مع الإتيان بنفس الواجب ينقطع التكليف فكذا مع الإتيان بالسبب المولد له، لوجوب ذلك الفعل حينئذ، وتعلق المدح أو الذم به إنما هو من جهة الإقدام على سببه من حيث إيصاله إليه، ولذا لو تاب المكلف عن ذلك بعد الإقدام على السبب قبلت توبته وحكم بعدالته بعد ثبوتها وإن لم يأت زمان أداء الواجب ولا يحصل منه معصيته في زمان ايقاع الفعل، كما إذا ترك الذهاب إلى الحج مع الرفقة ثم تاب بعد ذلك فإنه لا يكون عاصيا ولا فاسقا في أيام أداء الحج وذلك ظاهر.