ومنها: أنه قد تقرر عند العدلية لزوم العوض على الله سبحانه بإلزامه المشقة على العبد حيث إن إلزامها على المكلف من غير عوض قبيح عقلا وذلك قاض بترتب الثواب على المقدمة أيضا، إذ لا كلام لأحد في لزوم الإتيان بها ولا بدية المكلف من فعلها، نظرا إلى عدم إمكان حصول الواجب من دونها فيكون التكليف بنفس الواجب باعثا على إلزام المكلف بأداء مقدماتها، واللازم من ذلك كما عرفت تقرير عوض بإزائها ويتفرع على ترتب الثواب عليها رجحانها ومن البين أن مطلق الرجحان لا يتقوم بنفسه فلا بد من انضمامه إلى أحد الفصول وحيث إنه لا قائل باستحباب المقدمة تعين ضم المنع من الترك إليه فتكون واجبة.
وأنت خبير بما فيه:
أما أولا: فلأن القدر الثابت من إلزام الشارع بالمقدمة حسب ما ذكر هو الالزام التبعي الحاصل بإلزامه على ما يتوقف عليها بالعرض وهذا النحو من الإلزام إنما يقضي بترتب الثواب على ذي المقدمة لا على المقدمة نفسها، لعدم تعلق غرض الشارع بفعلها ولا بإلزام المكلف بها، فكما أن الإلزام بها حاصل بالعرض من جهة الإلزام بما يتوقف عليها يكون ترك الثواب عليها كذلك أيضا، ألا ترى أن الإلزام المذكور حاصل بالنسبة إلى أجزاء الواجب وليس هناك استحقاق ثواب على كل من الأجزاء وإنما يكون الاستحقاق بالنسبة إلى الكل وإن أمكن إسناده إلى الأجزاء أيضا بالعرض فكذا الحال في المقدمات.
وأما ثانيا: فلأن إيجاب الشئ إنما يستلزم ترتب الثواب عليه إذا أتى بالفعل من جهة أمر الآمر به وبسبب إرادته لحصوله فيكون الباعث على الفعل هو امتثال الأمر والانقياد له وقضية ذلك عدم ترتب الثواب على المقدمة إلا مع إيقاعها على الوجه المذكور.
والظاهر أن القائل بعدم وجوب المقدمة يقول: أيضا بترتب الثواب عليها إذا أتى بها من جهة أدائها إلى أداء الواجب كما هو الحال في المباحات إذا أتى بها لوجوه مرجحة لفعلها، كما مرت الإشارة إليه وحينئذ فلا وجه لدعوى الاتفاق على عدم ترتب الثواب عليها على القول بعدم وجوبها. فتأمل.