استحقاق عذاب أصلا ولو من جهة أدائه إلى ترك الواجب لم يعقل هناك عصيان ولا استحقاق للعقاب بعد ذلك، إذ لا معنى حينئذ لعصيانه للأمر الساقط كما لا يخفى.
فدعوى أن سقوط الأمر لا يمنع من استحقاق العقاب مما لا وجه له بل الحق عصيان الأمر عند ترك مقدمته من حيث أدائه إلى ترك الواجب ان تعلق الأمر بالفعل قبل مجئ زمانه كما في الحج بعد حصول الاستطاعة، وذلك قول بوجوب المقدمة حسب ما قررناه وإلا منع ترك المقدمة من تعلق الأمر به، فلا وجوب حتى يلزم بذلك خروج الواجب عن كونه واجبا.
وإن أريد أنه لما كان ترك المقدمة ناشئا عن اختياره كان ذلك مصححا لبقاء التكليف بذي المقدمة مع امتناعه بعد ذلك، حيث إنه نشأ الامتناع عن اختياره، كما هو ظاهر الفاضل المذكور وقد نص أيضا بعد ذلك بأن العلم بعدم الصدور أو امتناعه لا يستلزم إلا قبح إرادة وجود الفعل وطلبه وقصد تحصيله، إذ بعد العلم بعدم الوقوع قطعا لا يجوز من العاقل أن يكون بصدد حصول ذلك الشئ، ويقضي العقل بأن الغرض من الفعل الاختياري يجب أن يكون محتمل الوقوع وإن لم يجب أن يكون مظنونا أو معلوما إلا أنه قد تقرر أن الغرض من التكليف ليس ذلك بل الابتلاء، لا بمعنى تحصيل العلم بما لم يكن معلوما بل بمعنى إظهار ما لم يكن ظاهرا على العقول القاصرة والأحلام السخيفة. انتهى.
ففيه: أنه إذا لم يتعلق منع من الآمر بترك المقدمة ولو من جهة أدائها إلى ترك ذيها لم يصح بعد اختياره لترك المقدمة إلزامه بأداء ذي المقدمة وإيجاب ذلك عليه مع امتناع صدوره عنه لما تقرر عندنا من امتناع التكليف بغير المقدور، وتفسيره حقيقة التكليف بما ذكره مخالف لما هو ظاهر المشهور بين علمائنا من اتحاد معنى الطلب والإرادة إلا أنه موافق للتحقيق، كما مر تفصيل القول فيه، وبه يصح القول بجواز التكليف بغير المقدور إذا كان من سوء اختيار المكلف، إذ لو كان حقيقة التكليف إرادة الفعل على الحقيقة امتنع تعلقها بالمحال مطلقا لكنه لا يثمر في المقام، إذ أقصى ما يترتب عليه أن يتعقل حصول التكليف بعد عروض الامتناع،