المفروضة ورجحانه على التأسيس في خصوص المقام، فلا وجه للتمسك برجحان جنس التأسيس على جنس التأكيد بعد كون الأمر بالعكس في خصوص المقام.
وقد أورد السيد العميدي هنا بمنع لزوم التأكيد على فرض كون المأمور به بالأمر الثاني عين ما امر به أولا، فإنه إنما يلزم التأكيد لو لم يكن الأمر دالا على طلب الآمر حال إيجاد الصيغة، وأما مع دلالته على ذلك فلا لتغاير زماني الطلب.
قلت: التحقيق في بيان ذلك: أن الأمر موضوع لإنشاء الطلب، ومن المعلوم تعدد الإنشاءين في المقام لاختلاف زمانيهما، بل تعدد الزمان المأخوذ في وضع كل منهما بناء على وضع الأمر لإنشاء الطلب في الحال، حسب ما مرت الإشارة اليه في محله، فيكون كل من الأمرين مستعملا في معنى غير معنى الآخر، لكون كل منهما فردا من الطلب غير الآخر كسائر الأوامر المختلفة، غاية الأمر أن يتحد المطلوب فيهما، وذلك لا يقضي بحصول التأكيد بعد تعدد مفاد الصيغتين.
وحينئذ فما أورد عليه - من أنه إذا أراد أن مفاد الأمر الأول طلب الفعل مقيدا بالزمان الأول والثاني بالثاني فهو ظاهر الفساد، وإن أراد أن الأمر الأول صريح في الدلالة على الطلب في الزمان الأول فلا يفهم منه ما بعد ذلك إلا بالالتزام، بخلاف الأمر الثاني فإنه صريح فيما دل عليه الأول بالالتزام ففيه: أن هذا القدر من الاختلاف لا ينافي التأكيد، وإلا لانتفى التأكيد اللفظي رأسا مع أن ذلك لا يصح في المتعاقبين، إذ ليس بينهما اختلاف في الزمان بحسب العرف - ليس على ما ينبغي حسب ما قررناه في بيان مراده.
مضافا إلى أن ما ذكره من الوجه الثاني ودل ظاهر كلامه على صحته فاسد، فإنه إن أريد بدلالة الصيغة على طلب الفعل في الزمان الثاني والثالث دلالته على إيقاع الطلب في ذلك أو على إتيان المأمور بالمطلوب فيه.
أما الأول فظاهر الفساد، إذ لا يعقل دلالته على وقوع الطلب إلا في الحال، ولا دلالة فيه على حصوله في الزمان الثاني والثالث بوجه من الوجوه، كيف! ومن البين أن الأمر الانشائي إنما يوجد بمجرد إيجاد صيغة الانشاء من غير تقديم ولا تأخير عنه.