وأما الثاني فكون الدلالة عليه في الأول على وجه التصريح وفي الثاني بالالتزام مما لا وجه له، لوضوح عدم دلالة الأمر على خصوص شئ من الأمرين وإنما يدل على طلب الفعل في الجملة، كما هو المعروف بل لا يصح ذلك على إطلاقه على القول بكون الأمر للفور أيضا.
وما ذكر من عدم جريانه في الأمرين المتعاقبين لاتحاد زمان الأمرين في العرف غير متجه أيضا، إذ المناط في اختلاف الزمان الباعث على تعدد الفعل المتشخص به هو الاختلاف العقلي دون العرفي، فإذا كان زمان كل من الإنشاءين مغايرا للآخر لزمه تعدد الإنشاءين، والأمر المنشأ بهما وتقارب زمانيهما لا يقضي باتحاد الفعلين كما لا يخفى.
ثم إن ما ذكره من لزوم انتفاء التأكيد اللفظي رأسا على التقدير المذكور مما لا وجه له، إذ من البين أن المأخوذ في التأكيد اللفظي اتحاد معنى اللفظين المتكررين، سواء اتحدا لفظا - كما في " زيد زيد " - أو تغايرا، كما في " ألفيت قولها كذبا ومينا " وليس مبنى الكلام المذكور على إنكار ذلك، حتى يورد عليه بذلك بل الملحوظ إنكار اتحاد المعنى فيما ذكر من الإنشاءين نظرا إلى كون خصوص كل من الإنشاءين مغايرا للآخر سيما مع القول بكون الوضع فيه عاما والموضوع له خاصا، كما هو مختار المتأخرين فيتعدد المعنى المراد من كل منهما ومعه لا يكون الثاني تأكيدا لفظيا للأول.
فإن أريد في الإيراد إلزام ذلك عليه في نظائره من الانشاء فهو عين مقصود القائل.
وإن أريد نفي التأكيد اللفظي رأسا - كما هو ظاهر الكلام المذكور - فهو بين الاندفاع حسب ما عرفت.
هذا، ويمكن الإيراد على السيد بأن الانشاء الحاصل في المقام وإن كان متعددا ومعه يتعدد المعنى المراد من اللفظين إلا أن ذلك لا ينافي اتحاد التكليف، فإذا لم يكن الأمر الثاني مثبتا لتكليف جديد وكان المقصود به أداء المطلوب