حكى عن ابن المصنف نقلا عن والده (رحمه الله) في وجه النظر أمران:
أحدهما: أن المدعى ثبوت الوجوب لغة، فقول المجيب: إن الوجوب إنما يثبت بالشرع لا وجه له.
وثانيهما: أن الظاهر من كلامه الفرق بين الإيجاب والوجوب، والحال أنه لا فرق بينهما إلا بالاعتبار.
وأنت خبير باندفاع الوجهين:
أما الأول فبما عرفت سابقا من أن المراد بالوجوب المدلول عليه بالأمر ليس هو الوجوب المصطلح الذي هو أحد الأحكام الخمسة الشرعية، بل المقصود منه هو طلب الفعل مع المنع من الترك وعدم الرضا به من أي طالب صدر، وهو المعبر عنه بالإيجاب في كلام المجيب، ومن البين أن الحاصل بإنشاء الطلب المذكور هو مطلوبية الفعل لذلك الطالب على النحو المفروض، ولا يستلزم ذلك كون الفعل في نفسه أو بملاحظة أمر ذلك الآمر به مما يذم تاركه أو يستحق العقاب على تركه، فإن تفرع ذلك على الأمر أمر يتبع وجوب طاعة الآمر بحسب العقل أو الشرع، ولا ربط له بما وضع اللفظ له، فالوجوب المدلول عليه باللفظ لغة وشرعا هو المعنى الأول، والوجوب بالمعنى الثاني من الأمور اللازمة للمعنى الأول في بعض الصور حسب ما عرفت، وهو إنما يثبت بواسطة العقل أو الشرع، وليس مما وضع اللفظ له فلا منافاة بين كون الوجوب مدلولا عليه بحسب اللغة، وما ذكره من عدم ثبوت الوجوب إلا بالشرع لاختلاف المراد منه في المقامين.
نعم، كلام المجيب لا يخلو عن سوء التعبير حيث يوهم عدم دلالة الأمر على الوجوب مطلقا إلا بالشرع، ولا مشاحة فيه بعد وضوح المراد.
ومن ذلك يظهر اندفاع الوجه الثاني أيضا، فإن الوجوب الذي يقول بمغايرته للإيجاب على الحقيقة وانفكاكه عنه بحسب الخارج هو الوجوب بالمعنى الثاني بالنسبة إلى الإيجاب بالمعنى الأول، دون الوجوب بالمعنى الأول بالنسبة إلى إيجابه، لوضوح عدم انفكاك مطلوبية الفعل على سبيل المنع من الترك عن طلبه،