لا ينافي ما تقرر عند المتأخرين من وضع الأفعال بحسب هيئتها لخصوص الجزئيات حيث إن الوضع فيها عام والموضوع له خاص كالحروف، فإنهما من قبيل واحد بحسب الاستعمال، فكما أن الحروف لا تستعمل إلا في خصوص الجزئيات ولا يصح استعمالها في المعنى الكلي فكذا الحال في هيئات الأفعال فإن لفظة " اضرب " مثلا لا يراد بها إلا الطلب الجزئي القائم بنفس المتكلم لا المفهوم العام، ولذا أطبق المتأخرون على كونها حقيقة في تلك الخصوصيات لئلا يلزم ارتكاب التجوز في جميع تلك الاستعمالات، كما قد يلتزم به من يجعل الموضوع له هناك عاما، وذلك للفرق البين بين كون المستعمل فيه طلبا خاصا بملاحظة كونه حصة من حصص مطلق الطلب أو جزئيا من جزئياته وكونه إيجابا مخصوصا وفردا من أفراد الإيجاب أو حصة منه، فعدم ملاحظة خصوصية الوجوب أو الندب في الموضوع له وكونه ملحوظا لا بشرط كون الطلب إيجابيا أو ندبيا لا ينافي خصوصيته بالنظر إلى ما جعل مرآة لملاحظته له واعتبار تلك الخصوصية فيما وضع له.
ألا ترى أن قولك: " هذا الحيوان " إنما يفيد ملاحظة الحيوان الخاص من حيث كونه حيوانا خاصا فإذا أطلق على الانسان أو الحمار من حيث كونه حيوانا خاصا كان حقيقة لا بملاحظة خصوصية كونه إنسانا خاصا أو حمارا خاصا فهو بحسب الوضع يعم الأمرين، ويكون حقيقة فيهما مع عدم أخذ تينك الخصوصيتين في مفهوم الحيوان، وإلا كان خارجا عن مقتضى الوضع.
وكذلك الحال في سائر الألفاظ الموضوعة بالوضع العام للجزئيات حسب ما اختاروه، فإن لفظة " هذا " مثلا إنما وضعت لجزئيات المشار اليه من حيث إنها مشار إليها، لا من حيث كونها إنسانا أو حمارا أو شجرا، فالموضوع له هناك مما لم يلحظ فيه شئ من تلك الخصوصيات فهو مطلق بالنسبة إليها وإن كان مقيدا بملاحظة كونه جزئيا من المشار اليه.
فما أورد على الإيراد المذكور بما محصله أن الاستعمال المذكور ليس من