وكأن الذي أدخل عليه الشبهة تفسير الاستطاعة بالاختيار، فإن ما لا يستطيعه الانسان لا اختيار له فيه ثم جعل الاختيار بمعنى المشية، فإن اختيار الإتيان بالشئ هو مشيته أو ما يقرب منها، فيكون قد خلط بين المعنيين، فإن الاختيار بمعنى القدرة غير الاختيار بمعنى الترجيح.
وقد يوجه أيضا بأن كون الفرد المأتي به بعد تعلق الأمر بالطبيعة هو المقدور من أفرادها أمر واضح غني عن البيان، فحمل العبارة على ظاهرها قاض بإلغائها فلذا صرف الاستطاعة عن ظاهرها وفسرها بالمشية، وقد يجعل ذلك مبنيا على الجبر وعدم ثبوت استطاعة للعبد، فلا بد من صرفها إلى المشية، ولا يخفى وهن الجميع.
قوله: * (وهو معنى الندب) * لا يخفى أن الرد إلى المشية يشير إلى الإباحة ولا أقل من كونه أعم منه ومن الندب، فمن أين يصح كونه بمعنى الندب؟ ثم إنه لا دلالة فيه على كون اللفظ موضوعا للندب، إذ غاية الأمر أن يكون ذلك مرادا منه، وهو أعم من الحقيقة.
مضافا إلى أن " إذا " من أدوات الإهمال، فلا يدل إلا على رد بعض الأوامر إلى المشية، وأين ذلك من إثبات العموم؟.
وقد يقال: إن " إذا " وإن كان من أدوات الإهمال بحسب اللغة، إلا أنها تفيد العموم بحسب الاستعمالات العرفية، على أن الإطلاق كاف في المقام لكونه من مورد البيان وإرادة بعض ما مما لا فائدة فيه، فيرجع إلى العموم وإذا دلت الرواية على حمل المطلقات من الأوامر على الندب كان بمنزلة بيان لازم الوضع، فيكشف عن وضعه بإزاء ذلك، وهذا وإن لم يدل على وضعه له بحسب اللغة كما هو المدعى إلا أنه يتم ذلك بملاحظة أصالة عدم النقل، هذا غاية ما يوجه به كلام المستدل.
وهو كما ترى في غاية الوهن.
قوله: * (وهو معنى الوجوب) * كذا ذكره الحاجبي والعضدي، وأنت خبير بأن الرد إلى الاستطاعة كما هو