وقد يجامع حصول المقتضي وجود المانع فلا يعمل عمله، فالترخيص العام الحاصل من الواضع في استعمال اللفظ في غير الموضوع له مع حصول واحد من تلك العلائق لا يقضي بجواز الاستعمال مع تحقق المنع منه في خصوص بعض المقامات، لقيام الدليل عليه كما في المقام، لوضوح تقديم الخاص على العام.
والحاصل: أن الترخيص المذكور كسائر القواعد المقررة إنما يؤخذ بها في الجزئيات مع عدم ظهور خلافها في خصوص المقام، وهذا بخلاف الوضع لكونه علة تامة لجواز الاستعمال في الجملة، ولا يعقل هناك المنع من الاستعمال بالمرة مع تحقق الوضع له.
وأورد عليه: بأنا قد نرى المنع من الاستعمال مع تحقق الوضع كما في لفظ " الرحمن " والأفعال المنسلخة عن الزمان.
والجواب عنه ظاهر، أما عن لفظ " الرحمن " فبعد تسليم صدق مفهومه الحقيقي على غيره تعالى بأنه لا مانع من الاستعمال بحسب اللغة وإنما المانع هناك شرعي فلا ربط له بالمقام، وأما عن الأفعال المنسلخة عن الزمان إن سلم أولا وضعها للزمان فلنقلها عن ذلك بحسب العرف فالمنع في استعمالها في الزمان إنما طرأها في العرف بعد حصول النقل، ولا مانع من استعمالها فيه بملاحظة وضع اللغة، والتزام مثله في المقام غير متجه، لظهور المنع من استعمالها في ذلك بحسب اللغة أيضا، ومع الغض عنه فلا داعي إلى التزام النقل من غير باعث عليه، فإنه - بعد ثبوت كون الموضوع له لتلك الألفاظ عرفا هو الجزئيات - يثبت بضميمة أصالة عدم النقل كونها كذلك بحسب اللغة أيضا، على أن المقصود في المقام تحقق الوضع العام مع كون الموضوع له هو خصوص الجزئيات، ووجود ذلك في الأوضاع العرفية كاف في ثبوت المرام، فتأمل.
أقول: ويمكن الجواب عن الحجة المذكورة بأن المعاني الكلية المأخوذة في وضع الألفاظ المفروضة إنما اخذت على وجه لا يمكن إرادتها من اللفظ إلا حال وجودها في ضمن الجزئيات، من غير أن يكون خصوص شئ من تلك الجزئيات مما وضع اللفظ له.