الاستقلال حتى يكون الموضوع له للفظة " أنا " مثلا هو المفهوم من لفظ المتكلم ليصح إطلاقه كلفظ المتكلم على مطلق المتكلم، بل يأخذ تلك المفاهيم من حيث حصولها وصدورها قيدا في وضع اللفظ للذوات التي تجري عليها المفاهيم المذكورة وحيثية معتبرة فيها، فتلك الذوات بملاحظة الجهات المفروضة قد وضعت لها الألفاظ المذكورة، فالمراد بكون " أنا " موضوعا للمتكلم أنه موضوع لذات جعل صدور الكلام حيثية معتبرة في وضع اللفظ له، وكذا الحال في لفظ " أنت " و " هو " وغيرهما، فالموضوع له للفظ " أنا " هو من صدر منه الكلام، وللفظ " أنت " من القي إليه الكلام، وللفظ " من " هو من سبق ذكره صريحا أو ضمنا بجعل حصول تلك الصلات قيودا معتبرة في وضع اللفظ لها، فتلك المعاني أمور كلية في نفسها، فإن من صدر منه الكلام أو تعلق الخطاب به مثلا مفهوم صادق على ما لا يتناهى [من مصاديقه، إلا أن إرادة ذلك المفهوم ملحوظا على الوجه المذكور لا يتحقق إلا في ضمن مصداق من مصاديقه.
فإن قلت: إن كان المراد بمن صدر عنه الكلام أو تعلق الخطاب به مثلا نفس المفهوم المذكور كان من الألفاظ المذكورة كلفظ المتكلم والمخاطب، ولزم جواز إرادة المفهوم المذكور منها على وجه العموم وإن جعل المفهوم المذكور عنوانا لمصاديقه الخاصة وكان الموضوع له هو خصوص مصاديقه كان ذلك عين ما ذكره الجماعة من كون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا، ويجري ذلك بالنسبة إلى أسماء الإشارة وغيرها، فلا يصح القول بكون الموضوع له فيها أيضا عاما كما هو المدعى.
قلت: فرق بين بين جعل الموضوع له خصوص كل من الجزئيات المندرجة تحت المفهوم المذكور من غير أن يتعلق الوضع بنفس المفهوم المتصور حين الوضع وبين أن يجعل الموضوع له نفس ذلك المفهوم، لكن توجد فيه حيثية لا يمكن حصولها إلا في ضمن الفرد، فيتوقف إرادة ذلك المفهوم من اللفظ على إطلاقه على خصوص الحصة المقيدة بإحدى تلك الخصوصيات. فتأمل منه] (1).