جزئيات حقيقية، وإنما يكون الاعتبار المأخوذ في كل منها جزئيا حقيقيا لمطلقه حسب ما بيناه، فإن عنى القائل بوضعها للجزئيات الحقيقية إفادة ذلك فلا كلام، لكن لا يساعده العبارة وإن أراد به كون نفس المفهوم الذي وضعت بإزائه جزئيا حقيقيا، ففساده ظاهر مما قررنا.
هذا، وقد اختلفوا في تحقق الوضع على الوجه المذكور على قولين، فقد ذهب إليه جماعة من محققي المتأخرين وقالوا به في أوضاع المبهمات الثلاثة والحروف بأجمعها والأفعال الناقصة وكذا الأفعال التامة بالقياس إلى معانيها النسبية، والضابط فيه كل لفظ استعمل في أمر غير منحصر لمعنى مشترك لا يستعمل فيه على إطلاقه، فإن الملحوظ عندهم حين وضع تلك الألفاظ هو ذلك الأمر الجامع المشترك بين تلك المستعملات والموضوع له هو خصوص تلك الجزئيات، فجعل ذلك الأمر العام مرآة لملاحظتها حتى يصح وضع اللفظ بإزائها، وهذا القول هو المعزى إلى أكثر المتأخرين، بل الظاهر إطباقهم عليه من زمن السيد الشريف إلى يومنا هذا.
والمحكي عن قدماء أهل العربية والأصول القول بكون الوضع والموضوع له في جميع ذلك عاما، فيكون الحال في المذكورات من قبيل القسم الثاني عندهم، وهذا هو الذي اختاره التفتازاني لكنه ذكر أن المعارف ما عدا العلم إنما وضعت لتستعمل في معين، وظاهر كلامه أن الواضع اشترط في وضعها لمفهومها الكلي أن لا تستعمل إلا في جزئياته.
وفي الحواشي الشريفية أن جماعة توهموا وضعها لمفهوم كلي شامل للجزئيات، والغرض من وضعها له استعمالها في أفرادها المعينة دونه، والظاهر أن هذا الاعتبار إنما وقع في كلام جماعة من المتأخرين تفصيا من المنافاة بين وضعها للمفهوم الكلي وعدم صحة استعمالها إلا في الجزئيات، وإلا فالقدماء لم ينبهوا على ذلك فيما عثرنا عليه من كلامهم.
حجة القول الأول وجوه: