الخصوصيات من لوازم تلك الحيثية المعتبرة في الوضع، فذلك المعنى الملحوظ حال الوضع ليس موضوعا له للفظة " من " بتلك الملاحظة، ضرورة أنه ليس في تلك الملاحظة مرآة لحال الغير، وإنما هو إحضار لحالها الأخرى وهي حال وقوعها مرآة لحال الغير وعنوان لملاحظتها كذلك، كيف والمعنى الحرفي غير مستقل في الملاحظة، وتعلق الوضع بالمعنى يستلزم استقلالها في اللحاظ، فلا يعقل تعلق الوضع بالمعنى الحرفي من حيث إنه معنى حرفي، بل ذلك المفهوم من حيث إنه معنى اسمي يجعل عنوانا لكونه معنى حرفيا ويوضع اللفظ بإزائه، فهو في تلك الملاحظة نظير ملاحظة المعدوم المطلق في الحكم عليه بأنه لا يحكم عليه، كما هو الحال أيضا في الحكم على المعنى الحرفي بأنه لا يحكم عليه ولا به، فلا تغفل. ويجري ما قلناه بعينه في المعاني النسبية الملحوظة في وضع الأفعال، إذ هي أيضا معان حرفية، والحال فيهما على نحو سواء.
سادسها: أنهم صرحوا بأن للحروف والضمائر وأسماء الإشارة وغيرها من الألفاظ التي وقع النزاع فيها معاني حقيقية ومعاني مجازية، ويرجحون حملها على معانيها الحقيقية مع الدوران بينها وبين غيرها حال الإطلاق، وهو لا يتم إلا على القول بوضعها للمعاني الجزئية، إذ لو قيل بوضعها للمفاهيم الكلية لزم أن يكون جميع تلك الاستعمالات مجازية، فلا وجه للتفصيل ولا لترجيح إرادة المعاني الحقيقية على غيرها، لوضوح اشتراك الجميع في المجازية بحسب الاستعمال.
وجوابه ظاهر مما ذكرنا فلا حاجة إلى إعادته.
هذا، ويحتج للقول بوضعها للمفاهيم الكلية بوجوه:
أحدها: نص أهل اللغة بأن " هذا " للمشار إليه و " أنا " للمتكلم و " أنت " للمخاطب و " من " للابتداء و " إلى " للانتهاء و " على " للاستعلاء إلى غير ذلك، وتلك المفاهيم أمور كلية.
ثانيها: أن ظاهر كلماتهم في تقسيم الألفاظ انحصار متعدد المعنى في المشترك والمنقول والمرتجل والحقيقة والمجاز، ولو كان الوضع في تلك الألفاظ