أنعم عليه بالخلاص كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام والدؤوب في العبادة والمبادرة إلى الخيرات فمن اقتصد بعد ذلك كان مقتصرا والحالة هذه والله أعلم. وقوله تعالى (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) فالختار هو الغدار قاله مجاهد والحسن وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وهو الذي كلما عاهد نقض عهده والختر أتم الغدر وأبلغه. قال عمر بن معد يكرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير * ملأت يديك من غدر وختر وقوله (كفور) أي جحود للنعم لا يشكرها بل يتناساها ولا يذكرها.
يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (33) يقول تعالى منذرا للناس يوم المعاد وآمرا لهم بتقواه والخوف منه والخشية من يوم القيامة حيث (لا يجزي والد عن ولده) أي لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يقبل منه ثم عاد بالموعظة عليهم بقوله (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) أي لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة (ولا يغرنكم بالله الغرور) يعني الشيطان. قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة فإنه يغر ابن آدم ويعده ويمنيه وليس من ذلك شئ بل كان كما قال تعالى (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) قال وهب بن منبه قال عزير عليه السلام: لما رأيت بلاء قومي اشتد حزني وكثر همي وأرق نومي فتضرعت إلى ربي وصليت وصمت فأنا في ذلك التضرع أبكي إذا أتاني الملك فقلت له خبرني هل تشفع أرواح الصديقين للظلمة أو الآباء لأبنائهم؟ قال إن القيامة فيها فصل القضاء وملك ظاهر ليس فيه رخصة لا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الرحمن ولا يؤخذ فيه والد عن ولده ولا ولد عن والده ولا أخ عن أخيه ولا عبد عن سيده ولا يهتم أحد به غيره ولا يحزن لحزنه ولا أحد يرحمه كل مشفق على نفسه ولا يؤخذ إنسان عن إنسان كل يهمه همه ويبكي عوله ويحمل وزره ولا يحمل وزره معه غيره. رواه ابن أبي حاتم.
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34) هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (لا يجليها لوقتها إلا هو) وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله ولكن إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه ولكن إذا أمر بكونه ذكرا أو أنثى أو شقيا أو سعيدا علم الملائكة الموكلون بذلك. ومن شاء الله من خلقه وكذلك لا (تدري نفس ماذا تكسب غدا) في دنياها وأخراها (وما تدري نفس بأي أرض تموت) في بلدها أو غيره من أي بلاد الله كان لا علم لاحد بذلك وهذه شبيهة بقوله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) الآية. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب.
قال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد حدثني عبد الله بن بريدة سمعت أبي بريدة يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خمس لا يعلمهن إلا الله عز وجل (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجوه. (حديث ابن عمر) قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله " (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) انفرد بإخراجه البخاري فرواه في