كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) الآية عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب كما قال ابن مسعود في قوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال هو والله الغناء.
روى ابن جرير حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب أخبرني يزيد بن يونس عن أبي صخر عن ابن معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) فقال عبد الله بن مسعود الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات: حدثنا عمرو بن علي حدثنا صفوان بن عيسى أخبرنا حميد الخراط عن عمار عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء أنه سأل ابن مسعود عن قول الله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال الغناء وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن نديمة. وقال الحسن البصري نزلت هذه الآية (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) في الغناء والمزامير: وقال قتادة قوله (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله علم) والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكن شراؤه استجابة بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق وما يضر على ما ينفع وقيل أراد بقوله (يشتري لهو الحديث) اشتراء المغنيات من الجواري قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن خلاد الصفار عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وأكل أثمانهن حرام وفيهم أنزل الله عز وجل علي (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) " وهكذا رواه الترمذي وابن جرير من حديث عبيد الله بن زحر بنحوه ثم قال الترمذي هذا حديث غريب وضعف علي بن يزيد المذكور (قلت) علي وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء والله أعلم وقال الضحاك في قوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال يعني الشرك وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختار ابن جرير أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله وقوله (ليضل عن سبيل الله) أي إنما يصنع هذا للتخالف للاسلام وأهله. وعلى قراءة فتح الياء تكون اللام لام العاقبة أو تعليلا للامر القدري أي قيضوا لذلك ليكونوا كذلك وقوله تعالى (ويتخذها هزوا) قال مجاهد يتخذ سبيل الله هزوا يستهزئ بها وقال قتادة يعني ويتخذ آيات الله هزوا وقول مجاهد أولى وقوله (أولئك لهم عذاب مهين) أي استهانوا بآيات الله وسبيله أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر.
ثم قال تعالى (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا) أي هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولى عنها وأعرض وأدبر وتصامم وما به من صمم كأنه ما سمعها لأنه يتأذى بسماعها إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها (فبشره بعذاب أليم) أي يوم القيامة يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته.
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنت النعيم (8) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم (9) هذا ذكر مآل الأبرار من السعداء في الدار الآخرة الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وعملوا الأعمال الصالحة التابعة لشريعة الله (لهم جنات النعيم) أي يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والمسار من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب والنساء والنضرة والسماع الذي لم يخطر ببال أحد وهم في ذلك مقيمون دائما فيها لا يظعنون ولا يبغون عنها حولا وقوله تعالى (وعد الله حقا) أي هذا كائن لا محالة لأنه من وعد الله والله لا يخلف الميعاد لأنه الكريم المنان الفعال لما يشاء القادر على كل شئ (وهو العزيز) الذي قهر كل شئ ودان له كل شئ (الحكيم) في أقواله وأفعاله الذي جعل القرآن هدى للمؤمنين (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) الآية. وقوله (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا).
خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء