من الله متينا أنه لا يعذبه (وإلى الله عاقبة الأمور * ومن كفر فلا يحزنك كفره) أي لا تحزن عليهم يا محمد في كفرهم بالله وبما جئت به فإن قدر الله نافذ فيهم وإلى الله مرجعهم فينبئهم بما علموا أي فيجزيهم عليه (إن الله عليم بذات الصدور) فلا تخفى عليه خافية ثم قال تعالى (نمتعهم قليلا) أي في الدنيا ثم (نضطرهم) أي نلجأهم (إلى عذاب غليظ) أي فظيع صعب مشق على النفوس كما قال تعالى (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون).
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغنى الحميد (26) يقول تعالى مخبرا عن هؤلاء المشركين به أنهم يعرفون أن الله خالق السماوات والأرض وحده لا شريك له ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها خلق له وملك له ولهذا قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله) أي إذا قامت عليكم الحجة باعترافكم (بل أكثرهم لا يعلمون) ثم قال تعالى (لله ما في السماوات والأرض) أي هو خلقه وملكه (إن الله هو الغني الحميد) أي الغني عما سواه وكل شئ فقير إليه الحميد في جميع ما خلق له الحمد في السماوات والأرض على ما خلق وشرع وهو المحمود في الأمور كلها.
ولو أنما في الأرض من شجرة أقلم والبحر يمده من بعد سبعة أبحر ما نفدت كلمة الله إن الله عزيز حكيم (27) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس وحدة إن الله سميع بصير (28) يقول تعالى مخبرا عن عظمته وكبريائه وجلاله وأسمائه الحسنى وصفاته العلا وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد ولا اطلاع لبشر على كتبها وإحصائها كما قال سيد البشر وخاتم الرسل " لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " فقال تعالى (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله) أي ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما وجعل البحر مدادا وأمده سبعة أبحر معه فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت الأقلام ونفد ماء البحر ولو جاء أمثالها مددا وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة ولم يرد الحصر ولا أن ثم سبعة أبحر موجودة محيطة بالعالم كما يقوله من تلقاه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب بل كما قال تعالى في الآية الأخرى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) فليس المراد بقوله " بمثله " آخر فقط بل بمثله ثم بمثله ثم بمثله ثم هلم جرا لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته قال الحسن البصري لو جعل شجر الأرض أقلاما وجعل البحر مدادا وقال الله إن من أمري كذا ومن أمري كذا لنفد ماء البحر وتكسرت الأقلام. وقال قتادة قال المشركون إنما هذا كلام يوشك أن ينفذ فقال الله تعالى (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) أي لو كان شجر الأرض أقلاما ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه. وقال الربيع بن أنس إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها وقد أنزل الله ذلك (ولو أن ما في الأرض من شجر أقلام) الآية يقول لو كان البحر مدادا لكلمات الله والأشجار كلها أقلاما لانكسرت الأقلام وفني ماء البحر وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شئ لان أحدا لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي حتى يكون هو الذي يثني على نفسه إن ربنا كما يقول وفوق ما نقول وقد روي أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود قال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يا محمد أرأيت قولك (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلاكما " قالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شئ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم " وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام) الآية. وهكذا روى عكرمة وعطاء بن يسار وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية لا مكية والمشهور أنها مكية والله أعلم وقوله (إن الله عزيز حكيم) أي عزيز قد عز كل