شئ وقهره وغلبه فلا مانع لما أراد ولا مخالف ولا معقب لحكمه حكيم في خلقه وأمره وأقواله وأفعاله وشرعه وجميع شؤونه وقوله تعالى (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) أي ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد بالنسبة إلى قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة الجميع هين عليه (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر) أي لا يأمر بالشئ إلا مرة واحدة فيكون ذلك الشئ لا يحتاج إلى تكرره وتوكيده (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة) وقوله (إن الله سميع بصير) أي كما هو سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة ولهذا قال تعالى (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) الآية.
ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه البطل وأن الله هو العلى الكبير (30) يخبر تبارك تعالى أنه (يولج الليل في النهار) يعني يأخذ منه في النهار فيطول ذاك ويقصر هذا وهذا يكون زمن الصيف يطول النهار إلى الغاية ثم يشرع في النقص فيطول الليل ويقصر النهار وهذا يكون في زمن الشتاء (وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى) قيل إلى غاية محدودة وقيل إلى يوم القيامة وكلا المعنين صحيح ويستشهد للقول الأول بحديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه الذي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ " قلت الله ورسوله أعلم. قال " فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ثم تستأذن ربها فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال: الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها قال وكذلك القمر إسناده صحيح وقوله (وأن الله بما تعملون خبير) كقوله (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض) ومعنى هذا أنه تعالى الخالق العالم بجميع الأشياء كقوله تعالى (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) الآية وقوله تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل) أي إنما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق أي الموجود الحق الاله الحق وأن كل ما سواه باطل فإنه الغني عما سواه وكل شئ فقير إليه لان كل ما في السماوات والأرض الجميع خلقه وعبيده لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك ولهذا قال تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير) أي العلي الذي لا أعلى منه الكبير الذي هو أكبر من كل شئ فكل شئ خاضع حقير بالنسبة إليه.
ألم تر أن الفلك تجرى في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور (31) وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلى كل ختار كفور (32) يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره أي بلطفه وتسخيره فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت ولهذا قال (ليريكم من آياته) أي من قدرته (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) أي صبار في الضراء شكور في الرخاء ثم قال تعالى (وإذا غشيهم موج كالظلل) أي كالجبال والغمام (دعوا الله مخلصين له الدين) كما قال تعالى (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) وقال تعالى (فإذا ركبوا في الفلك) الآية قال تعالى (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) قال مجاهد أي كافر كأنه فسر المقتصد ههنا بالجاحد كما قال تعالى (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) وقال ابن زيد هو المتوسط في العمل وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله تعالى (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد) الآية فالمقتصد ههنا هو المتوسط في العمل ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ويكون من باب الانكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر ثم بعد ما