أصح وكذا علله غير واحد من الحفاظ والله أعلم وقوله تعالى (يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال تعالى (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الامر بينهن) الآية وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة وسمك السماء خمسمائة سنة: وقال مجاهد وقتادة والضحاك النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام ولكنه يقطعها في طرفة عين ولهذا قال تعالى (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة) أي المدبر لهذه الأمور الذي هو شهيد على أعمال عباده يرفع إليه جليلها وحقيرها وصغيرها وكبيرها هو العزيز الذي قد عز كل شئ فقهره وغلبه ودانت له العباد والرقاب الرحيم بعباده المؤمنين فهو عزيز في رحمته رحيم في عزته وهذا هو الكمال العزة مع الرحمة والرحمة مع العزة فهو رحيم بلا ذل.
الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين (7) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة قليلا ما تشكرون (9) يقول تعالى مخبرا أنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها وقال مالك عن زيد بن أسلم (الذي أحسن كل شئ خلقه) قال أحسن خلق كل شئ كأنه جعله من المقدم والمؤخر ثم لما ذكر تعالى خلق السماوات والأرض شرع في ذكر خلق الانسان فقال تعالى (وبدأ خلق الانسان من طين) يعني خلق أبا البشر آدم من طين (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) أي يتناسلون كذلك من نطفة تخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة (ثم سواه) يعني آدم لما خلقه من تراب خلقه سويا مستقيما (ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة) يعني العقول (قليلا ما تشكرون) أي بهذه القوى التي رزقكموها الله عز وجل فالسعيد من استعملها في طاعة ربه عز وجل.
وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أئنا لفى خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون (10) * قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون (11) يقول تعالى مخبرا عن المشركين في استبعادهم المعاد حيث قالوا (أئذا ضللنا في الأرض) أي تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت (أئنا لفي خلق جديد) أي أئنا لنعود بعد تلك الحال؟ يستبعدون ذلك وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرهم العاجزة لا بالنسبة إلى قدرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ولهذا قال تعالى (بل هم بلقاء ربهم كافرون) ثم قال تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) الظاهر من هذه الآية أن ملك الموت شخص معين من الملائكة كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة إبراهيم وقد سمي في بعض الآثار بعزرائيل وهو المشهور قاله قتادة وغير واحد وله أعوان وهكذا ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر الجسد حتى إذا بلغت الحلقوم تنازلها ملك الموت قال مجاهد حويت له الأرض فجعلت مثل الطست يتناول منها متى يشاء. ورواه زهير بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه مرسلا. وقاله ابن عباس رضي الله عنهما وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري حدثنا عمر بن سمرة عن جعفر بن محمد قال سمعت أبي يقول: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا ملك الموت أرفق بصاحبي فإنه مؤمن " فقال ملك الموت: يا محمد طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى أني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم والله يا محمد لو أنى أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها.
قال جعفر بلغني أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان ولقنه الملك لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحال العظيمة وقال عبد الرزاق حدثنا