عبد الله بن أبي بعظم ففته وذكر نحو ما تقدم وهذا منكر لان السورة مكية وعبد الله بن أبي بن سلول إنما كان بالمدينة وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أبي بن خلف أو العاص بن وائل أو فيهما فهي عامة في كل من أنكر البعث والألف واللام في قوله تعالى: (أو لم ير الانسان) للجنس يعم كل منكر للبعث (أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) أي أو لم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة فإن الله ابتدأ خلق الانسان من سلالة من ماء مهين فخلقه من شئ حقير ضعيف مهين كما قال عز وجل (ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم) وقال تعالى: (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج) أي من نطفة من أخلاط متفرقة فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته كما قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو المغيرة حدثنا جرير حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بشر بن جحاش قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما في كفه فوضع عليها أصبعه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله تعالى بني آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة؟ " ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان به. ولهذا قال تعالى: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم) أي استبعد إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة التي خلقت السماوات والأرض للأجساد والعظام الرميمة ونسي نفسه وأن الله تعالى خلقه من العدم إلى الوجود فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده. ولهذا قال عز وجل (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) أي يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها أين ذهبت وأين تفرقت وتمزقت قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي قال: قال عقبة بن عمرو لحذيفة رضي الله عنهما ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعته صلى الله عليه وسلم يقول " إن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا جزلا ثم أوقدوا فيه نارا حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فدقوها فذروها في اليم ففعلوا فجمعه الله تعالى إليه ثم قال له لم فعلت ذلك؟ قال من خشيتك فغفر الله عز وجل له " فقال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وكان نباشا وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير بألفاظ كثيرة منها أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر في يوم رائح أي كثير الهواء ففعلوا ذلك فأمر الله تعالى البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له كن فإذا هو رجل قائم فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك وأنت أعلم، فما تلافاه أن غفر له. وقوله تعالى:
(الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) أي الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرا نضرا ذا ثمر وينع ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا توقد به النار كذلك هو فعال لما يشاء قادر على ما يريد لا يمنعه شئ قال قتادة في قوله (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) يقول الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه وقيل المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد فيأخذ منه عودين أخضرين ويقدح أحدهما بالآخر فتتولد النار من بينهما كالزناد سواء وروي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي المثل: لكل شجر نار واستمجد المرخ والغفار وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب.
أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقدر على أن يخلق مثلهن بلى وهو الخلق العليم (81) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82) فسبحن الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون (83) يقول تعالى مخبرا منبها على قدرته العظيمة في خلق السماوات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت والأرضين السبع وما فيها من جبال ورمال وبحار وقفار وما بين ذلك ومرشدا إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء