عملت قال فيغفر الله تعالى لذنوبه ويستره منها قال فما على الأرض خليفة ترى من تلك الذنوب شيئا وتبدو حسناته فود أن الناس كلهم يرونها ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب على هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا؟
فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته فإذا فعل ذلك ختم الله تعالى على فيه قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى ثم تلا (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) وقوله تبارك وتعالى: (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها يقول ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى فكيف يهتدون وقال مرة أعميناهم وقال الحسن البصري ولو شاء الله لطمس على أعينهم فجعلهم عميا يترددون وقال السدي يقول ولو نشاء أعمينا أبصارهم وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والسدي فاستبقوا الصراط يعني الطريق وقال ابن زيد يعني بالصراط ههنا فأنى يبصرون وقد طمسنا على أعينهم وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما (فأنى يبصرون) لا يبصرون الحق. وقوله عز وجل (ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما أهلكناهم وقال السدي يعني لغيرنا خلقهم وقال أبو صالح لجعلناهم حجارة وقال الحسن البصري وقتادة لأقعدهم على أرجلهم ولهذا قال تبارك وتعالى (فما استطاعوا مضيا) أي إلى أمام (ولا يرجعون) إلى وراء بل يلزمون حالا واحدا لا يتقدمون ولا يتأخرون.
ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون (68) وما علمنه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (69) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين (70) يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره رد إلى الضعف بعد القوة والعجز بعد النشاط كما قال تبارك وتعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) وقال عز وجل (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) والمراد من هذا والله أعلم الاخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال لا دار دوام واستقرار ولهذا قال عز وجل (أفلا يعقلون) أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ثم إلى الشيخوخة ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى لا زوال لها ولا انتقال منها ولا محيد عنها وهي الدار الآخرة. وقوله تبارك وتعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) يقول عز وجل مخبرا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه ما علمه الشعر (وما ينبغي له) أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته ولهذا ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه وقال أبو زرعة الرازي حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي أنه قال: ما ولد عبد المطلب ذكرا ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب الذي أكله الأسد بالزرقاء قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن هو البصري قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
* كفى بالاسلام والشيب للمرء ناهيا * فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله * كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا * قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما أشهد أنك رسول الله يقول تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) وهكذا روى البيهقي في الدلائل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه " أنت القائل:
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة.