ويرفع صلى الله عليه وسلم بقوله أبينا ويمدها وقد روى هذا بزحاف في الصحيحين أيضا وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب لكن قالوا هذا وقع اتفاقا من غير قصد لوزن شعر بل جرى على اللسان من غير قصد إليه وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنكبت أصبعه فقال صلى الله عليه وسلم:
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت وسيأتي عند قوله تعالى (إلا اللمم إنشاد إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك ما ألما وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما علم شعرا ولا ينبغي له فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم (الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش ولا كهانة ولا مفتعل ولا سحر يؤثر كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال وقد كانت سجيته صلى الله عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعا وشرعا كما رواه أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن عمرو حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما أبالي ما أوتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي " تفرد به أبو داود وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل قال سألت عائشة رضي الله عنها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بسائغ عنده الشعر؟ فقالت قد كان أبغض الحديث إليه وقال عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ويدع ما بين ذلك وقال أبو داود حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا " انفرد به من هذا الوجه وإسناده على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الإمام أحمد حدثنا قزعة بن سويد الباهلي عن عاصم بن مخلد عن أبي الأشعث الصنعاني ح وحدثنا الأشيب فقال عن أبي عاصم عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة لم تقبل له صلاة تلك الليلة " وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة والمراد بذلك نظمه لا إنشاده والله أعلم على أن الشعر فيه ما هو مشروع وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الاسلام كحسان بن ثابت رضي الله عنه وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وأمثالهم وأضرابهم رضي الله عنهم أجمعين ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " آمن شعره وكفر قلبه " وقد أنشد بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت يقول صلى الله عليه وسلم عقب كل بيت " هيه " يعني يستطعمه فيزيده من ذلك وقد روى أبو داود من حديث أبي بن كعب وبريدة بن الحصيب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما " ولهذا قال (وما علمناه الشعر) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ما علمه الله الشعر (وما ينبغي له) أي وما يصلح له (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين) أي ما هذا الذي علمناه (إلا ذكر وقرآن مبين) أي بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره ولهذا قال تعالى: (لينذر من كان حيا) أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض كقوله (لأنذركم به ومن بلغ) وقال جل وعلا (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب مستنير البصيرة كما قال قتادة حي القلب حي البصر وقال الضحاك يعني عاقلا (ويحق القول على الكافرين) أي هو رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين.