أرسلناك نذيرا فمن أطاعك دخل الجنة ومن عصاك دخل النار. وقوله " وربك أعلم بمن في السماوات والأرض " أي بمراتبهم في الطاعة والمعصية " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض " وكما قال تعالى " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات " وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تفضلوا بين الأنبياء " فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهي والعصبية لا بمقتضى الدليل فإذا دل الدليل على شئ وجب اتباعه ولا خلاف أن الرسل أفضل من بقية الأنبياء وأن أولي العزم منهم أفضلهم وهم الخمسة المذكورون نصا في آيتين من القرآن في سورة الأحزاب " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " وفي الشورى في قوله " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك مريم " وفي الشورى في قوله " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " ولا خلاف أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضلهم ثم بعده إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام على المشهور وقد بسطناه بدلائله في غير هذا الموضع والله الموفق وقوله تعالى " وآتينا داود زبورا " تنبيه على فضله وشرفه. قال البخاري حدثنا إسحاق بن نصر أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خفف على داود القرآن فكان يأمر بدوابه فتسرج فكان يقرؤه قبل أن يفرغ " يعني القرآن.
قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا (56) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا (57) يقول تعالى " قل " يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله " ادعوا الذين زعمتم من دونه " من الأصنام والأنداد فارغبوا إليهم " ف " إنهم " لا يملكون كشف الضر عنكم " أي بالكلية " ولا تحويلا " أي بأن يحولوه إلى غيركم والمعنى أن الذي يقدر على ذلك هو الله وحده لا شريك له الذي له الخلق والامر. قال العوفي عن ابن عباس في قوله " قل ادعوا الذين زعمتم " الآية قال كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة والمسيح وعزيرا وهم الذين يدعون يعني في الملائكة والمسيح وعزيرا.
وقوله تعالى " أولئك الذين يدعون " الآية روى البخاري من حديث سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله في قوله " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة " قال ناس من الجن كانوا يعبدون فأسلموا وفي رواية قال كان ناس من الانس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم وقال قتادة عن معبد بن عبد الله الرماني عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود في قوله " أولئك الذين يدعون " الآية قال نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والانس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم فنزلت هذه الآية وفي رواية عن ابن مسعود كانوا يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن فذكره وقال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب " قال عيسى وأمه وعزير وقال مغيرة عن إبراهيم كان ابن عباس يقول: في هذه الآية هم عيسى وعزير والشمس والقمر وقال مجاهد عيسى والعزير والملائكة واختار ابن جرير قول ابن مسعود لقوله " يبتغون إلى ربهم الوسيلة " وهذا لا يعبر به عن الماضي فلا يدخل فيه عيسى والعزير والملائكة وقال والوسيلة هي القربة كما قال قتادة ولهذا قال " أيهم أقرب " وقوله تعالى " ويرجون رحمته ويخافون عذابه " لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء فبالخوف ينكف عن المناهي وبالرجاء يكثر من الطاعات وقوله تعالى " إن عذاب ربك كان محذورا " أي ينبغي أن يحذر منه ويخاف من وقوعه وحصوله عياذا بالله منه.
وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتب مسطورا (58)