طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس وأنا والذي حلفت به. قال ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت؟ قال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال فقام عنه الأخنس وتركه.
وقالوا أإذا كنا عظما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا (49) * قل كونوا حجارة أو حديدا (50) أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا (51) يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا (52) يقول تعالى مخبرا عن الكفار المستبعدين وقوع المعاد القائلين استفهام إنكار منهم لذلك " أئذا كنا عظاما ورفاتا " أي ترابا قاله مجاهد وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما غبارا " أئنا لمبعوثون خلقا جديدا " أي يوم القيامة بعد ما بلينا وصرنا عدما لا نذكر كما أخبر عنهم في الموضع الآخر " يقولون أئنا لمردودون في الحافرة * أئذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة " وقوله تعالى " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه " الآيتين فأمر الله سبحانه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم. فقال " قل كونوا حجارة أو حديدا " إذ هما أشد امتناعا من العظام والرفات. " أو خلقا مما يكبر في صدور كم " قال ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد سألت ابن عباس عن ذلك فقال: هو الموت وروى عطية عن ابن عمر أنه قال في تفسير هذه الآية لو كنتم موتى لأحييتكم.
وكذا قال سعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم ومعنى ذلك أنكم لو فرضتم أنكم لو صرتم إلى الموت الذي هو ضد الحياة لأحياكم الله إذا شاء فإنه لا يمتنع عليه شئ إذا أراده.
وقد ذكر ابن جرير ههنا حديثا " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة أتعرفون هذا؟ فيقولون نعم: ثم يقال يا أهل النار أتعرفون هذا؟ فيقولون نعم فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت " وقال مجاهد " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " يعني السماء والأرض والجبال وفي رواية: ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله بعد موتكم وقد وقع في التفسير المروي عن الامام مالك عن الزهري في قوله " أو خلقا مما يكبر في صدوركم " قال النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك ويقولون هو الموت. وقوله تعالى " فسيقولون من يعيدنا " أي من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديدا أو خلقا آخر شديدا " قل الذي فطركم أول مرة " أي الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا مذكورا ثم صرتم بشرا تنتشرون فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال " وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه " الآية وقوله تعالى " فسينغضون إليك رؤوسهم " قال ابن عباس وقتادة يحركونها استهزاء وهذا الذي قالاه هو الذي تعرفه العرب من لغاتها لان الانغاض هو التحرك من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل ومنه قيل للظليم وهو ولد النعامة نغضا لأنه إذا مشى عجل بمشيته وحرك رأسه ويقال نغضت سنه إذا تحركت وارتفعت من منبتها. وقال الراجز: ونغضت من هرم أسنانها.