عنها قالت لما نزلت " تبت يدا أبي لهب " جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: مذمما أتينا - أو أبينا - قال أبو موسى الشك مني ودينه قلينا وأمره عصينا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر إلى جنبه فقال أبو بكر رضي الله عنه لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك فقال " إنها لن تراني " وقرأ قرآنا اعتصم به منها " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " قال فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فانصرفت وهى تقول لقد علمت قريش أني بنت سيدها. وقوله " وجعلنا على قلوبهم أكنة " وهي جمع كنان الذي يغشى القلب " أن يفقهوه " أي لئلا يفهموا القرآن " وفي آذانهم وقرا " وهو الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعا ينفعهم ويهتدون به. وقوله تعالى " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده " أي إذا وحدت الله في تلاوتك وقلت لا إله إلا الله " ولوا " أي أدبروا راجعين " على أدبار هم نفورا " ونفور جمع نافر كقعود جمع قاعد ويجوز أن يكون مصدرا من غير الفعل والله أعلم كما قال تعالى " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة " الآية قال قتادة في قوله " وإذا ذكرت ربك في القرآن " الآية أن المسلمين لما قالوا لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون وكبرت عليهم فضافها إبليس وجنوده فأبى الله إلا أن يمضيها ويعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها إنها كلمة من خاصم بها فلح ومن قاتل بها نصر إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها ولا يقرون بها. " قول آخر في الآية " روى ابن جرير حدثني الحسين بن محمد الذارع حدثنا روح بن المسيب أو رجاء الكلبي حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قوله " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا " هم الشياطين وهذا غريب جدا في تفسيرها وإلا فالشياطين إذا قرئ القرآن أو نودي بالاذان أو ذكر الله انصرفوا.
نحن أعلم بما يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا (47) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا (48) يخبر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بما يتناجى به رؤساء كفار قريش حين جاءوا يستمعون قراءته صلى الله عليه وسلم سرا من قومهم بما قالوا من أنه رجل مسحور من السحر على المشهور أو من السحر وهو الرئة أي إن تتبعون إن اتبعتم محمدا إلا بشرا يأكل كما قال الشاعر:
فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحر وقال الراجز: يسحر بالطعام وبالشراب. أي يغذى وقد صوب هذا القول ابن جرير وفيه نظر لانهم أرادوا ههنا أنه مسحور له رئي يأتيه بما استمعوه من الكلام الذي يتلوه ومنهم من قال شاعر ومنهم من قال كاهن ومنهم من قال مجنون ومنهم من قال ساحر. ولهذا قال تعالى " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " أي فلا يهتدون إلى الحق ولا يجدون إليه مخلصا قال محمد بن إسحاق في السيرة حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف ابن زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالليل في بيته فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لا وقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض ما قال أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا