يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف وقال ابن عباس في رواية عنه يعني به إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة يعني به عذاب القبر. وقال النسائي أخبرنا عمرو بن علي أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) قال سنون أصابتهم وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثني عبد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى بن الجزار عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الآية (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) قال القمر والدخان قد مضيا والبطشة واللزام ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفا نحوه وعند البخاري عن ابن مسعود نحوه وقال عبد الله بن مسعود أيضا في رواية عنه العذاب الأدنى ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم قال السدي وغيره لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير فأصيبوا أو غرموا ومنهم من جمع له الأمران وقوله تعالى (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها. قال قتادة إياكم والاعراض عن ذكر الله فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة وأعوز أشد العوز وعظم من أعظم الذنوب ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك (إنا من المجرمين منتقمون) أي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام. وروى ابن جرير حدثني عمران بن بكار الكلاعي حدثنا محمد بن المبارك حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أمية عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق أو عق والديه أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم يقول الله تعالى (إنا من المجرمين منتقمون) " ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به وهذا حديث غريب جدا.
ولقد آتينا موسى الكتب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبنى إسرائيل (23) وجعلنا منه أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (24) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون (25) يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله موسى عليه السلام أنه آتاه الكتاب وهو التوراة وقوله تعالى (فلا تكن في مرية من لقائه) قال قتادة يعني به ليلة الاسراء ثم روي عن أبي العالية الرياحي قال حدثني ابن عم نبيكم يعني ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوأة ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن النار والدجال " في آيات أراهن الله إياه (فلا تكن في مرية من لقائه) أنه قد رأى موسى ولقي موسى ليلة أسري به.
وقال الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا روح بن عبادة حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وجعلناه هدى لبني إسرائيل) قال جعل موسى هدى لبني إسرائيل وفي قوله (فلا تكن في مرية من لقائه) قال من لقاء موسى ربه عز وجل وقوله تعالى (وجعلناه) أي الكتاب الذي آتيناه (هدى لبني إسرائيل) كما قال تعالى في سورة الإسراء (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا) وقوله تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) أي لما كانوا صابرين على أوامر الله وترك زواجره وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوهم به كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله ويدعون إلى الخير ويأمرون