مقام المرابطة (فارجعوا) أي إلى بيوتكم ومنازلكم (ويستأذن فريق منهم النبي) قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هم بنو حارثة قالوا بيوتنا نخاف عليها السراق وكذا قال غير واحد وذكر ابن إسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي يعني اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو فهم يخشون عليها منهم قال الله تعالى (وما هي بعورة) أي ليست كما يزعمون (إن يريدون إلا فرارا) أي هربا من الزحف.
ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا (14) ولقد كانوا عهدوا الله من قبل لا يولون الأدبر وكان عهد الله مسؤولا (15) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا (16) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (17) * يخبر تعالى عن هؤلاء الذين (يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة وقطر من أقطارها ثم سئلوا الفتنة وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعا وهم لا يحافظون على الايمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع هكذا فسره قتادة وعبد الرحمن بن زيد وابن جرير وهذا ذم لهم في غاية الذم ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف أن لا يولوا الادبار ولا يفرون من الزحف (وكان عهد الله مسؤولا) أي وأن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد لا بد من ذلك ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم ولا يطول أعمارهم بل ربما كان ذلك سببا في تعجيل أخذهم غرة ولهذا قال تعالى (وإذا لا تمتعون إلا قليلا) أي بعد هربكم وفراركم (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى) ثم قال تعالى (قل من ذا الذي يعصمكم من الله) أي يمنعكم (إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) أي ليس لهم ولا لغيرهم من الله مجير ولا مغيث.
قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخونهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا (18) أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يخشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعملهم وكان ذلك على الله يسيرا (19) يخبر تعالى عن إحاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب والقائلين لاخوانهم أي أصحابهم وعشرائهم وخلطائهم (هلم إلينا) أي إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار وهم مع ذلك (لا يأتون البأس إلا قليلا * أشحة عليكم) أي بخلاء بالمودة والشفقة عليكم وقال السدي (أشحة عليكم) أي في الغنائم (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) أي من شدة خوفه وجزعه وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) أي فإذا كان الامن تكلموا كلاما بليغا فصيحا عاليا وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة وهم يكذبون في ذلك وقال ابن عباس رضي الله عنهما (سلقوكم) أي استقبلوكم وقال قتادة أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة أعطونا أعطونا قد شهدنا معكم وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق وهم مع ذلك أشحة على الخير أي ليس فيهم خير قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير فهم كما قال في أمثالهم الشاعر:
أفي السلم أعيار جفاء وغلظة وفي * الحرب أمثال النساء العوارك أي في حال المسالمة كأنهم الحمر والاعيار جمع عير وهو الحمار وفي الحرب كأنهم النساء الحيض ولهذا