(ويعلم ما تخفون وما تعلنون) أي يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والافعال وهذا كقوله تعالى:
(سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) وقوله: (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) أي هو المدعو وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم: أي الذي ليس في المخلوقات أعظم منه ولما كان الهدهد داعيا إلى الخير وعبادة الله وحده والسجود له نهى عن قتله كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد وإسناده صحيح.
* قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين (27) إذهب بكتبي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون (28) قالت يا أيها الملأ إني ألقى إلى كتب كريم (29) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (30) ألا تعلوا على وأتوني مسلمين (31) يقول تعالى مخبرا عن قيل سليمان للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين) أي أصدقت في إخبارك هذا (أم كنت من الكاذبين) في مقالتك لتخلص من الوعيد الذي أو عدتك؟ (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون). وذلك أن سليمان عليه السلام كتب كتابا إلى بلقيس وقومها وأعطاه ذلك الهدهد فحمله قيل في جناحه كما هي عادة الطير وقيل بمنقاره وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها ثم تولى ناحية أدبا ورياسة فتحيرت مما رأت وهالها ذلك ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته فإذا فيه (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلو علي وأتوني مسلمين) فجمعت عند ذلك أمراءها ووزرائها وكبراء دولتها ومملكتها ثم قالت لهم (يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم) تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر ذهب به فألقاه إليها ثم تولى عنها أدبا وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك ولا سبيل لهم إلى ذلك ثم قرأته عليهم (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين) فعرفوا أنه من نبي الله سليمان عليه السلام وأنه لا قبل لهم به وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود " قلت يا نبي الله أي آية؟ قال " سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد " قال فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت نسي ثم التفت إلي وقال (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) هذا حديث غريب وإسناده ضعيف. وقال ميمون بن مهران كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية. فكتب (بسم الله الرحمن الرحيم). وقوله (أن لا تعلوا علي) قال قتادة يقول لا تجبروا علي (وأتوني مسلمين) وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين. قال ابن عباس موحدين وقال غيره مخلصين وقال سفيان بن عيينة طائعين.
قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمرى ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون (32) قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والامر إليك فانظري ماذا تأمرين (33) قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون (34) وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون (35) لما قرأت عليهم كتاب سليمان استشارتهم في أمرها وما قد نزل بها ولهذا قالت (يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت