لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء فقيل يا أم المؤمنين أليس هذا لغوا؟ قالت لا إنما اللغو ما قيل عند النساء، قيل أليس الله يقول " والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " قالت أليس قد ذهب بصره وكنع بالسيف؟ تعني الضربة التي ضربه إياها صفوان ابن المعطل السلمي حين بلغه عنه أنه يتلكم في ذلك فعلاه بالسيف وكاد أن يقتله.
لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين (12) لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (13) هذا تأديب من الله تعالى للمؤمنين في قصة عائشة رضي الله عنها حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السوء وما ذكر من شأن الإفك فقال تعالى " لولا " يعني هلا " إذ سمعتموه " أي ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين رضي الله عنها " ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا " أي قاسوا ذلك الكلام علي أنفسهم فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى. وقد قيل إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يسار عن أبيه عن بعض رجال بني النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد الأنصاري قالت له امرأته أم أيوب يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال نعم وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت لا والله ما كنت لافعله قال فعائشة والله خير منك، قال فلما نزل القرآن ذكر الله عز وجل من قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " وذلك حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا، ثم قال تعالى " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون " الآية أي كما قال أبو أيوب وصاحبته. وقال محمد بن عمر الواقدي حدثني ابن أبي حبيب عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أفلح مولى أبي أيوب أن أم أيوب قالت لابن أيوب: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال بلى وذلك الكذب أفكنت يا أم أيوب فاعلة ذلك؟ قالت لا والله قال فعائشة والله خير منك. فلما نزل القرآن وذكر أهل الإفك قال الله عز وجل " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين " يعني أبا أيوب حين قال لام أيوب ما قال - ويقال إنما قالها أبي بن كعب، وقوله تعالى " ظن المؤمنون " ألخ أي هلا ظنوا الخير فإن أم المؤمنين أهله وأولى به، هذا ما يتعلق بالباطن. وقوله " وقالوا " أي بألسنتهم " هذا إفك مبين " أي كذب ظاهر على أم المؤمنين رضي الله عنها فإن الذي وقع لم يكن ريبة وذلك أن مجئ أم المؤمنين راكبة جهرة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة والجيش بكماله يشاهدون ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ولو كان هذا الامر فيه ريبة لم يكن هذا جهرة ولا كانا يقدمان على مثل ذلك على رؤوس الاشهاد بل كان هذا يكون لو قدر خفية مستورا، فتعين أن ما جاء به أهل الإفك مما رموا به أم المؤمنين هو الكذب البحت والقول الزور والرعونة الفاحشة الفاجرة، والصفقة الخاسرة، قال الله تعالى " لولا " أي هلا " جاءوا عليه " أي على ما قالوه " بأربعة شهداء " يشهدون على صحة ما جاءوا به " فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " أي في حكم الله كاذبون فاجرون.
ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم (14) إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم (15) يقول تعالى " لولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة " أيها الخائضون في شأن عائشة بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا وعفا عنكم لايمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة " لمسكم فيما أفضتم فيه " من قضية الإفك " عذاب عظيم " وهذا فيمن عنده إيمان يقبل الله بسببه التوبة كمسطح وحسان وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت