جحش، فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي بن سلول وأضرابه فليس أولئك مرادين في هذه الآية لأنه ليس عندهم من الايمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه، وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين يكون مطلقا مشروطا بعدم التوبة أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه. ثم قال تعالى " إذ تلقونه بألسنتكم " قال مجاهد وسعيد بن جبير أي يرويه بعضكم عن بعض يقول هذا سمعته من فلان وقال فلان كذا وذكر بعضهم كذا، وقرأ آخرون " إذ تلقونه بألسنتكم " وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول هي من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه، تقول العرب ولق فلان في السير إذا استمر فيه، والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة أنها كانت تقرأ " إذ تلقونه " وتقول هي ولق القول قال ابن أبي مليكة: هي أعلم به من غيرها. وقوله تعالى " وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم " أي تقولون ما لا تعلمون. ثم قال تعالى " وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " أي تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل، فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا وهو سبحانه وتعالى لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا، ولما لم يكن ذلك فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجه سيد ولد آدم على الاطلاق في الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى " وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " وفي الصحيحين " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض " وفي رواية " لا يلقي لها بالا ".
ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم (16) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين (17) ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (18) هذا تأديب آخر بعد الأول الآمر بظن الخير أي إذا ذكر ما لا يليق من القول في شأن الخيرة فأولى ينبغي الظن بهم خيرا. وأن لا يشعر نفسه سوى ذلك ثم إن علق بنفسه شئ من ذلك وسوسة أو خيالا فلا ينبغي أن يتكلم به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله تعالى تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " أخرجاه في الصحيحين، وقال الله تعالى " ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا " أي ما ينبغي لنا أن نتفوه بهذا الكلام ولا نذكره لاحد " سبحانك هذا بهتان عظيم " أي سبحان الله أن يقال هذا الكلام على زوجة رسوله وحليلة خليله، ثم قال تعالى " يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدأ " أي ينهاكم الله متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدا أي فيما يستقبل ولهذا قال " إن كنتم مؤمنين " أي إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه وتعظمون رسوله صلى الله عليه وسلم فأما من كان متصفا بالكفر فله حكم آخر، ثم قال تعالى " ويبين الله لكم الآيات " أي يوضح لكم الأحكام الشرعية والحكم القدرية " والله عليم حكيم " أي عليم بما يصلح عباده حكيم في شرعه وقدره.
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون (19) هذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السئ فقام بذهنه شئ منه وتكلم فلا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه فقد قال تعالى " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم " أي يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح " لهم عذاب أليم في الدنيا " أي بالحد، وفي الآخرة بالعذاب الأليم " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " أي فردوا الأمور إليه ترشدوا وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن بكير حدثنا ميمون بن موسى المرئي حدثنا محمد ابن عباد المخزومي عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم فإنه من