ويشربون مثل الناس ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئا كما توهمه المشركون في قولهم " ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها " الآية، وقوله " وما كانوا خالدين " أي في الدنيا بل كانوا يعيشون ثم يموتون " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه، وقوله " ثم صدقناهم الوعد " أي الذي وعدهم ربهم ليهلكن الظالمين صدقهم الله وعده وفعل ذلك ولهذا قال " فأنجيناهم ومن نشاء " أي أتباعهم من المؤمنين " وأهلكنا المسرفين " أي المكذبين بما جاءت به الرسل.
لقد أنزلنا إليكم كتبا فيه ذكركم أفلا تعقلون (10) وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين (11) فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون (12) لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون (13) قالوا يولينا إنا كنا ظالمين (14) فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين (15) يقول تعالى منبها على شرف القرآن ومحرضا لهم على معرفة قدره " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم " قال ابن عباس شرفكم وقال مجاهد حديثكم وقال الحسن دينكم " أفلا تعقلون " أي هذه النعمة وتتلقونها بالقبول كما قال تعالى " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون " وقوله " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة " هذه صيغة تكثير كما قال " وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح " وقال تعالى " وكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها " الآية. وقوله " وأنشأنا بعدها قوما آخرين " أي أمة أخرى بعدهم " فلما أحسوا بأسنا " أي تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما وعدهم نبيهم " إذا هم منها يركضون " أي يفرون هاربين " لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم " هذا تهكم بهم نزرا أي قيل لهم نزرا لا تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة، قال قتادة استهزاء بهم " لعلكم تسئلون " أي عما كنتم فيه من أداء شكر النعم " قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين " اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك " فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين " أي ما زالت تلك المقالة وهي الاعتراف بالظلم هجيراهم حتى حصدناهم حصدا وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا.
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين (16) لو أردنا أن نتخذ لهوا لأتخذنه من لدنا إن كنا فعلين (17) بل نقذف بالحق على البطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون (18) وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون (19) يسبحون الليل والنهار لا يفترون (20) يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق أي بالعدل والقسط ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى والله لم يخلق ذلك عبثا ولا لعبا كما قال " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار " وقوله تعالى " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين " قال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " يعني من عندنا، يقول وما خلقنا جنة ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا، وقال الحسن وقتادة وغيرهما " لو أردنا أن نتخذ لهوا " اللهو المرأة بلسان أهل اليمن وقال إبراهيم النخعي " لاتخذناه " من الحور العين، وقال عكرمة والسدي: المراد باللهو ههنا الولد وهذا والذي قبله متلازمان وهو كقوله تعالى " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله