ابن أبي الدنيا رحمه الله في كتابه التفكر والاعتبار: أن بعض عباد بني إسرائيل تعبد ثلاثين سنة وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته غمامة فلم ير ذلك الرجل شيئا مما كان يحصل لغيره فشكى ذلك إلى أمه فقالت له يا بني فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه فقال لا والله ما أعلمه قالت فلعلك هممت قال لا ولا هممت قالت فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر فقال نعم كثيرا قالت فمن ههنا أتيت ثم قال منبها على بعض آياته " وهو الذي خلق الليل والنهار " أي هذا في ظلامه وسكونه وهذا بضيائه وأنسه يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى وعكسه الآخر " والشمس والقمر " هذه لها نور يخصها وفلك بذاته وزمان على حدة وحركة وسير خاص وهذا بنور آخر وفلك آخر وسير آخر وتقدير آخر " وكل في فلك يسبحون " أي يدورون قال ابن عباس يدورون كما يدور المغزل الفلكة قال مجاهد فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا كما قال تعالى " فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ".
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون (34) كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون (35) يقول تعالى " وما جعلنا لبشر من قبلك " أي يا محمد " الخلد " أي في الدنيا بل " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام مات وليس بحي إلى الآن لأنه بشر سواء كان وليا أو نبيا أو رسولا وقد قال تعالى " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " وقوله " أفإن مت " أي يا محمد " فهم الخالدون " أي يؤملون أن يعيشوا بعدك لا يكون هذا بل كل إلى الفناء ولهذا قال تعالى " كل نفس ذائقة الموت " وقد روي عن الشافعي رحمه الله أنه أنشد واستشهد بهذين كل نفس ذائقة الموت " وقد روي عن الشافعي رحمه الله أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيأ لاخرى مثلها فكأن قد وقوله " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " أي نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " ونبلوكم " يقول نبتليكم " بالشر والخير فتنة " بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلال وقوله " وإلينا ترجعون " أي فنجازيكم بأعمالكم.
وإذا رأك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون (36) خلق الانسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون (37) يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه " إذا رآك الذين كفروا " يعني كفار قريش كأبي جهل وأشباهه " إن يتخذونك إلا هزوا " أي يستهزئون بك وينتقصونك يقولون " أهذا الذي يذكر آلهتكم " يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم قال تعالى " وهم بذكر الرحمن هم كافرون " أي وهم كافرون بالله ومع هذا يستهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال في الآية الأخرى " وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا * إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا " وقوله " خلق الانسان