" يقول الله تعالى يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملا صدرك غنى وأسد فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك " وروى ابن ماجة من حديث الضحاك عن الأسود عن ابن مسعود سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول " من جعل الهموم هم واحدا هم المعاد كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك " وروى أيضا من حديث شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة " وقوله " والعاقبة للتقوى " أي وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة وهي الجنة لمن اتقى الله وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة وأن ديننا قد طاب ".
وقالوا لولا يأتينا باية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى (133) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى (134) قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحب الصراط السوي ومن اهتدى (135) يقول تعالى مخبرا عن الكفار في قولهم " لولا " أي هلا يأتينا محمد بآية من ربه أي بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله؟ قال الله تعالى " أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى " يعني القرآن الذي أنزله عليه الله وهو أمي لا يحسن الكتابة ولم يدارس أهل الكتاب، وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم في سالف الدهور بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها فإن القرآن مهيمن عليها يصدق الصحيح ويبين خطأ المكذوب فيها وعليها وهذه الآية كقوله تعالى في سورة العنكبوت " وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون " وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال " ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " وإنما ذكر ههنا أعظم الآيات التي أعطيها عليه السلام وهو القرآن وإلا فله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر كما هو مودع في كتبه ومقرر في مواضعه ثم قال تعالى " ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا " أي لو أنا أهلكنا هؤلاء المكذبين قبل أن نرسل إليهم هذا الرسول الكريم وننزل عليهم هذا الكتاب العظيم لكانوا قالوا " ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا " قبل أن تهلكنا حتى نؤمن به ونتبعه كما قال " فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى " يبين تعالى أن هؤلاء المكذبين متعنتون معاندون لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم كما قال تعالى " وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون - إلى قوله - بما كانوا يصدفون " وقال " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم " الآية وقال " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها " الآيتين، ثم قال تعالى " قل " أي يا محمد لمن كذبك وخالفك واستمر على كفره وعناده " كل متربص " أي منا ومنكم " فتربصوا " أي فانتظروا " فستعلمون من أصحاب الصراط السوي " أي الطريق المستقيم " ومن اهتدى " إلى الحق وسبيل الرشاد، وهذا كقوله تعالى " وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا " وقال " سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ".
آخر تفسير سورة طه ولله الحمد والمنة ويتلوه إن شاء الله تفسير سورة الأنبياء ولله الحمد.