جاهلون * قالوا أءنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد من الله علينآ إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) *.
اعلم أن المفسرين اتفقوا على أن ههنا محذوفا والتقدير: أن يعقوب لما قال لبنيه: * (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) * قبلوا من أبيهم هذه الوصية فعادوا إلى مصر ودخلوا على يوسف عليه السلام فقالوا له: * (يا أيها العزيز) *.
فإن قيل: إذا كان يعقوب أمرهم أن يتحسسوا أمر يوسف وأخيه فلماذا عدلوا إلى الشكوى وطلبوا إيفاء الكيل؟
قلنا: لأن المتحسسين يتوسلون إلى مطلوبهم بجميع الطرق والاعتراف بالعجز وضيق اليد ورقة الحال وقلة المال وشدة الحاجة مما يرقق القلب فقالوا: نجربه في ذكر هذه الأمور فإن رق قلبه لنا ذكرنا له المقصود وإلا سكتنا. فلهذا السبب قدموا ذكر هذه الواقعة وقالوا * (يا أيها العزيز) * والعزيز هو الملك القادر المنيع * (مسنا وأهلنا الضر) * وهوا الفقر والحاجة وكثرة العيال وقلة الطعام وعنوا بأهلهم من خلفهم * (وجئنا ببضاعة مزجاة) * وفيه أبحاث:
البحث الأول: معنى الإزجاء في اللغة، الدفع قليلا قليلا ومثله التزجية يقال الريح تزجي السحاب. قال الله تعالى: * (ألم تر أن الله يزجي سحابا) * (النور: 43) وزجيت فلانا بالقول دافعته، وفلان يزجي العيش أي يدفع الزمان بالحيلة.
والبحث الثاني: إنما وصفوا تلك البضاعة بأنها مزجاة إما لنقصانها أو لرداءتها أو لهما جميعا والمفسرون ذكروا كل هذه الأقسام قال الحسن: البضاعة المزجاة القليلة، وقال آخرون إنها كانت رديئة واختلفوا في تلك الرداءة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما كانت دراهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، وقيل: خلق الغرارة والحبل وأمتعة رثة، وقيل: متاع الأعراب الصوف والسمن. وقيل: الحبة الخضراء، وقيل: الأقط، وقيل: النعال والأدم، وقيل: سويق المقل، وقيل: صوف المعز، وقيل: إن دراهم مصر كانت تنقش فيها صورة يوسف والدراهم التي جاؤوا بها ما كان فيها صورة يوسف فما كانت مقبولة عند الناس.
البحث الثالث: في بيان أنه لم سميت البضاعة القليلة الرديئة مزجاة؟ وفيه وجوه: الأول: قال الزجاج: هي من قولهم فلان يزجي العيش أي يدفع الزمان بالقليل، والمعنى أنا جئنا ببضاعة مزجاة ندافع بها الزمان، وليست مما ينتفع به وعلى هذا الوجه فالتقدير ببضاعة مزجاة بها الأيام، الثاني: قال أبو عبيد: إنما قيل للدراهم الرديئة مزجاة، لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة ممن ينفقها