وإلا وقعت في السجن وفي الصغار فعند ذلك اجتمع في حق يوسف عليه السلام أنواع من الوسوسة: أحدها: أن زليخا كانت في غاية الحسن. والثاني: أنها كانت ذات مال وثروة، وكانت على عزم أن تبذل الكل ليوسف بتقدير أن يساعدها على مطلوبها. والثالث: أن النسوة اجتمعن عليه وكل واحدة منهن كانت ترغبه وتخوفه بطريق آخر، ومكر النساء في هذا الباب شديد، والرابع: أنه عليه السلام كان خائفا من شرها وإقدامها على قتله وإهلاكه، فاجتمع في حق يوسف جميع جهات الترغيب على موافقتها وجميع جهات التخويف على مخالفتها، فخاف عليه السلام أن تؤثر هذه الأسباب القوية الكثيرة فيه.
واعلم أن القوة البشرية والطاقة الإنسانية لا تفي بحصول هذه العصمة القوية، فعند هذا التجأ إلى الله تعالى وقال: * (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) * وقرئ * (السجن) * بالفتح على المصدر، وفيه سؤالان:
السؤال الأول: السجن في غاية المكروهية، وما دعونه إليه في غاية المطلوبية، فكيف قال: المشقة أحب إلي من اللذة؟
والجواب: أن تلك اللذة كانت تستعقب آلاما عظيمة، وهي الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة، وذلك المكروه وهو اختيار السجن كان يستعقب سعادات عظيمة، وهي المدح في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة، فلهذا السبب قال: * (السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) *.
السؤال الثاني: أن حبسهم له معصية كما أن الزنا معصية، فكيف يجوز أن يحب السجن مع أنه معصية.
والجواب: تقدير الكلام أنه إذا كان لا بد من التزام أحد الأمرين أعني الزنا والسجن، فهذا أولى، لأنه متى وجب التزام أحد شيئين كل واحد منهما شر فأخفهما أولاهما بالتحمل.
ثم قال: * (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) * أصب إليهن أمل إليهن يقال: صبا إلى اللهو يصبو صبوا إذا مال، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الإنسان لا ينصرف عن المعصية إلا إذا صرفه الله تعالى عنها قالوا: لأن هذه الآية تدل على أنه تعالى إن لم يصرفه عن ذلك القبيح وقع فيه وتقريره: أن القدرة والداعي إلى الفعل والترك إن استويا امتنع الفعل، لأن الفعل رجحان لأحد الطرفين ومرجوحية للطرف الآخر وحصولهما حال استواء الطرفين جمع بين النقيضين وهو محال، وإن حصل الرجحان في أحد الطرفين فذلك الرجحان ليس من العبد وإلا لذهبت المراتب إلى غير النهاية بل هو من الله تعالى فالصرف عبارة عن جعله مرجوحا لأنه متى