الظن، وهذا إذا قلنا إنه عليه السلام ذكر ذلك التعبير لا بناء على الوحي، بل على الأصول المذكورة في ذلك العلم، وهي لا تفيد إلا الظن والحسبان.
والقول الثاني: أن هذا الظن صفة الناجي، فإن الرجلين السائلين ما كانا مؤمنين بنبوة يوسف ورسالته، ولكنهما كانا حسني الاعتقاد فيه، فكان قوله لا يفيد في حقهما إلا مجرد الظن.
المسألة الثانية: قال يوسف عليه السلام لذلك الرجل الذي حكم بأنه يخرج من الحبس ويرجع إلى خدمة الملك * (اذكرني عند ربك) * أي عند الملك. والمعنى: أذكر عنده أنه مظلوم من جهة إخوته لما أخرجوه وباعوه، ثم إنه مظلوم في هذه الواقعة التي لأجلها حبس، فهذا هو المراد من الذكر.
ثم قال تعالى: * (فأنساه الشيطان ذكر ربه) * وفيه قولان: الأول: أنه راجع إلى يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف أن يذكر ربه، وعلى هذا القول ففيه وجهان: أحدهما: أن تمسكه بغير الله كان مستدركا عليه، وتقريره من وجوه: الأول: أن مصلحته كانت في أن لا يرجع في تلك الواقعة إلى أحد من المخلوقين وأن لا يعرض حاجته على أحد سوى الله، وأن يقتدي بجده إبراهيم عليه السلام، فإنه حين وضع في المنجنيق ليرمى إلى النار جاءه جبريل عليه السلام وقال: هل من حاجة، فقال أما إليك فلا، فلما رجع يوسف إلى المخلوق لا جرم وصف الله ذلك بأن الشيطان أنساه ذلك التفويض، وذلك التوحيد، ودعاه إلى عرض الحاجة إلى المخلوقين، ثم لما وصفه بذلك ذكر أنه بقي لذلك السبب في السجن بضع سنين، والمعنى أنه لما عدل عن الانقطاع إلى ربه إلى هذا المخلوق عوقب بأن لبث في السجن بضع سنين، وحاصل الأمر أن رجوع يوسف إلى المخلوق صار سببا لأمرين: أحدهما: أنه صار سببا لاستيلاء الشيطان عليه حتى أنساه ذكر ربه، الثاني: أنه صار سببا لبقاء المحنة عليه مدة طويلة.
الوجه الثاني: أن يوسف عليه السلام قال في إبطال عبادة الأوثان * (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * ثم إنه ههنا أثبت ربا غيره حيث قال: * (اذكرني عند ربك) * ومعاذ الله أن يقال إنه حكم عليه بكونه ربا بمعنى كونه إلها، بل حكم عليه بالربوبية كما يقال: رب الدار، ورب الثوب على أن إطلاق لفظ الرب عليه بحسب الظاهر يناقض نفي الأرباب.
الوجه الثالث: أنه قال في تلك الآية ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء، وذلك نفي للشرك على الإطلاق، وتفويض الأمور بالكلية إلى الله تعالى، فههنا الرجوع إلى غير الله تعالى كالمناقض لذلك التوحيد.
واعلم أن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين