ليكون أولى بالقبول في حق المرأة لأن الظاهر من حال من يكون من أقرباء المرأة ومن أهلها أن لا يقصدها بالسوء والإضرار، فالمقصود بذكر كون ذلك الرجل من أهلها تقوية قول ذلك الرجل وهذه الترجيحات إنما يصار إليها عند كون الدلالة ظنية، ولو كان هذا القول صادرا عن الصبي الذي في المهد لكان قوله حجة قاطعة ولا يتفاوت الحال بين أن يكون من أهلها، وبين أن لا يكون من أهلها وحينئذ لا يبقى لهذا القيد أثر. والثالث: أن لفظ الشاهد لا يقع في العرف إلا على من تقدمت له معرفة بالواقعة وإحاطة بها.
والقول الثالث: أن ذلك الشاهد هو القميص، قال مجاهد: الشاهد كون قميصه مشقوقا من دبر، وهذا في غاية الضعف لأن القميص لا يوصف بهذا ولا ينسب إلى الأهل. واعلم أن القول الأول عليه أيضا إشكال وذلك لأن العلامة المذكورة لا تدل قطعا على براءة يوسف عليه السلام عن المعصية لأن من المحتمل أن الرجل قصد المرأة لطلب الزنا فالمرأة غضبت عليه فهرب الرجل فعدت المرأة خلف الرجل وجذبته لقصد أن تضربه ضربا وجيعا فعلى هذا الوجه يكون القميص متخرقا من دبر مع أن المرأة تكون برية عن الذنب والرجل يكون مذنبا.
وجوابه: أنا بينا أن علامات كذب المرأة كانت كثيرة بالغة مبلغ اليقين فضموا إليها هذه العلامة الأخرى لا لأجل أن يعولوا في الحكم عليها، بل لأجل أن يكون ذلك جاريا مجرى المقويات والمرجحات.
ثم إنه تعالى أخبر وقال: * (فلما رأى قميصه) * وذلك يحتمل السيد الذي هو زوجها ويحتمل الشاهد فلذلك اختلفوا فيه، قال: * (إنه من كيدكن) * أي أن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن إن كيدكن عظيم.
فإن قيل: إنه تعالى لما خلق الإنسان ضعيفا فكيف وصف كيد المرأة بالعظم، وأيضا فكيد الرجال قد يزيد على كيد النساء.
والجواب عن الأول: أن خلقة الإنسان بالنسبة إلى خلقة الملائكة والسماوات والكواكب خلقة ضعيفة وكيد النسوان بالنسبة إلى كيد البشر عظيم ولا منافاة بين القولين وأيضا فالنساء لهن في هذا الباب من المكر والحيل ما لا يكون للرجال ولأن كيدهن في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال.
واعلم أنه لما ظهر للقوم براءة يوسف عليه السلام عن ذلك الفعل المنكر حكى تعالى عنه أنه قال: * (يوسف أعرض عن هذا) * فقيل: إن هذا من قول العزيز، وقيل: إنه من قول الشاهد، ومعناه: أعرض عن ذكر هذه الواقعة حتى لا ينتشر خبرها ولا يحصل العار العظيم بسببها، وكما أمر يوسف بكتمان هذه الواقعة أمر المرأة بالاستغفار فقال: * (واستغفري لذنبك) * وظاهر ذلك طلب المغفرة،