قوله تعالى * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم * إن الله له ملك السماوات والارض يحى ويميت وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما منه المؤمنين من أن يستغفروا للمشركين، والمسلمون كانوا قد استغفروا للمشركين قبل نزول هذه الآية، فإنهم قبل نزول هذه الآية كانوا يستغفرون لآبائهم وأمهاتهم وسائر أقربائهم ممن مات على الكفر، فلما نزلت هذه الآية خافوا بسبب ما صدر عنهم قبل ذلك من الاستغفار للمشركين. وأيضا فإن أقواما من المسلمين الذين استغفروا للمشركين، كانوا قد ماتوا قبل نزول هذه الآية، فوقع الخوف عليهم في قلوب المسلمين أنه كيف يكون حالهم، فأزال الله تعالى ذلك الخوف عنهم بهذه الآية، وبين أنه تعالى لا يؤاخذهم بعمل إلا بعد أن يبين لهم أنه يجب عليهم أن يتقوه ويحترزوا عنه. فهذا وجه حسن في النظم. وقيل: المراد إن من أول السورة إلى هذا الموضع في بيان المنع من مخالطة الكفار والمنافقين، ووجوب مباينتهم، والاحتراز عن موالاتهم، فكأنه قيل: إن الإله الرحيم الكريم كيف يليق به هذا التشديد الشديد في حق هؤلاء الكفار والمنافقين؟ فأجيب عنه بأنه تعالى لا يؤاخذ أقواما بالعقوبة بعد إذ دعاهم إلى الرشد حتى يبين لهم ما يجب عليهم أن يتقوه، فأما بعد أن فعل ذلك وأزاح العذر وأزال العلة فله أن يؤاخذهم بأشد أنواع المؤاخذة والعقوبة. وفي قوله تعالى: * (ليضل) * وجوه: الأول: أن المراد أنه أضله عن طريق الجنة، أي صرفه عنه ومنعه من التوجه إليه. والثاني: قالت المعتزلة: المراد من هذا الإضلال الحكم عليهم بالضلال. واحتجوا بقول الكميت: وطائفة قد أكفروني بحبكم (c) وقال أبو بكر الأنباري: هذا التأويل فاسد، لأن العرب إذا أرادوا ذلك المعنى قالوا: ضلل يضلل، واحتجاجهم ببيت الكميت باطل، لأنه لا يلزم من قولنا أكفر في الحكم صحة قولنا أضل.