بماله لما تعذر عليه بنفسه، وقد ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء.
ثم قال تعالى: * (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *.
فإن قيل: كيف يصح أن يقال: الجهاد خير من القعود عنه، ولا خير في القعود عنه.
قلنا: الجواب عنه من وجهين: الوجه الأول: أن لفظ * (خير) * يستعمل في معنيين: أحدهما: بمعنى هذا خير من ذاك. والثاني: بمعنى أنه في نفسه خير كقوله: * (إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * (القصص: 24) وقوله: * (وإنه لحب الخير لشديد) * (العاديات: 8) ويقال: الثريد خير من الله، أي هو خير في نفسه، وقد حصل من الله تعالى، فقوله: * (ذلكم خير لكم) * المراد هذا الثاني، وعلى هذا الوجه يسقط السؤال.
الوجه الثاني: سلمنا أن المراد كونه خيرا من غيره، إلا أن التقدير: أن ما يستفاد بالجهاد من نعيم الآخرة خير مما يستفيده القاعد عنه من الراحة والدعة والتنعم بهما، ولذلك قال تعالى: * (إن كنتم تعلمون) * لأن ما يحصل من الخيرات في الآخرة على الجهاد لا يدرك إلا بالتأمل، ولا يعرفه إلا المؤمن الذي عرف بالدليل أن القول بالقيامة حق، وأن القول بالثواب والعقاب حق وصدق.
* (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) *.
اعلم أنه تعالى لما بالغ في ترغيبهم في الجهاد في سبيل الله، وكان قد ذكر قوله: * (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) * عاد إلى تقرير كونهم متثاقلين، وبين أن أقواما، مع كل ما تقدم من الوعيد والحث على الجهاد، تخلفوا في غزوة تبوك، وبين أنه * (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: العرض ما عرض لك من منافع الدنيا، يقال: الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر. قال الزجاج: فيه محذوف والتقدير: لو كان المدعو إليه سفرا قاصدا، فحذف