فكيف بأن تلقى مسرة ساعة * وراء تقضيها مساءة أحقاب ثم قال تعالى: * (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) * وهذا وإن ورد بصيغة الأمر إلا أن معناه الإخبار بأنه ستحصل هذه الحالة، والدليل عليه قوله بعد ذلك: * (جزاء بما كانوا يكسبون) * ومعنى الآية أنهم، وإن فرحوا وضحكوا في كل عمرهم، فهذا قليل لأن الدنيا بأسرها قليلة، وأما حزنهم وبكاؤهم في الآخرة فكثير، لأنه عقاب دائم لا ينقطع، والمنقطع بالنسبة إلى الدائم قليل، فلهذا المعنى قال: * (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) * قال الزجاج: قوله: * (جزاء) * مفعول له، والمعنى وليبكوا لهذا الغرض. وقوله: * (بما كانوا يكسبون) * أي في الدنيا من النفاق واستدلال المعتزلة بهذه الآية على كون العبد موجدا لأفعاله، وعلى أنه تعالى لو أوصل الضرر إليهم ابتداء لا بواسطة كسبهم لكان ظالما، مشهور، وقد تقدم الرد عليهم قبل ذلك مرارا تغني عن الإعادة.
* (فإن رجعك الله إلى طآئفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين) *.
واعلم أنه تعالى لما بين مخازي المنافقين وسوء طريقتهم بين بعد ما عرف به الرسول أن الصلاح في أن لا يستصحبهم في غزواته، لأن خروجهم معه يوجب أنواعا من الفساد. فقال: * (فإن رجعك الله طائفة منهم) * أي من المنافقين * (فقل لن تخرجوا معي أبدا) * قوله: * (فإن رجعك الله) * يريد إن ردك الله إلى المدينة، ومعنى الرجع مصير الشيء إلى المكان الذي كان فيه، يقال رجعته رجعا كقولك رددته ردا. وقوله: * (إلى طائفة منهم) * إنما خصص لأن جميع من أقام بالمدينة ما كانوا منافقين، بل كان بعضهم مخلصين معذورين. وقوله: * (فاستأذنوك للخروج) * أي للغزو معك * (فقل لن تخرجوا معي أبدا) * إلى غزوة، وهذا يجري مجرى الذم واللعن لهم، ومجري إظهار نفاقهم وفضائحهم، وذلك لأن ترغيب المسلمين في الجهاد أمر معلوم بالضرورة من دين محمد عليه السلام، ثم إن هؤلاء إذا منعوا من الخروج إلى الغزو بعد إقدامهم على الاستئذان، كان ذلك تصريحا بكونهم خارجين عن الإسلام