ثم قال تعالى: * (وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن) * قال الزجاج: نصب * (وعدا) * على المعنى، لأن معنى قوله: * (بأن لهم الجنة) * أنه وعدهم الجنة، فكان وعدا مصدرا مؤكدا. واختلفوا في أن هذا الذي حصل في الكتب ما هو؟
فالقول الأول: أن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيل الله وعد ثابت، فقد أثبته الله في التوراة والإنجيل كما أثبته في القرآن.
والقول الثاني: المراد أن الله تعالى بين في التوراة والإنجيل أنه اشترى من أمة محمد عليه الصلاة والسلام أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، كما بين في القرآن.
والقول الثالث: أن الأمر بالقتال والجهاد هو موجود في جميع الشرائع.
ثم قال تعالى: * (ومن أوفى بعهده من الله) * والمعنى: أن نقض العهد كذب. وأيضا أنه مكر وخديعة، وكل ذلك من القبائح، وهي قبيحة من الإنسان مع احتياجه إليها، فالغني عن كل الحاجات أولى أن يكون منزها عنها. وقوله: * (ومن أوفى بعهده) * استفهام بمعنى الإنكار، أي لا أحد أوفى بما وعد من الله.
ثم قال: * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) * واعلم أن هذه الآية مشتملة على أنواع من التأكيدات: فأولها: قوله: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) * فيكون المشتري هو الله المقدس عن الكذب والخيانة، وذلك من أدل الدلائل على تأكيد هذا العهد. والثاني: أنه عبر عن إيصال هذا الثواب بالبيع والشراء، وذلك حق مؤكد. وثالثها: قوله: * (وعدا) * ووعد الله حق. ورابعها: قوله: * (عليه) * وكلمة " على " للوجوب. وخامسها: قوله: * (حقا) * وهو التأكيد للتحقيق. وسادسها: قوله: * (في التوراة والإنجيل والقرآن) * وذلك يجري مجرى إشهاد جميع الكتب الإلهية وجميع الأنبياء والرسل على هذه المبايعة. وسابعها: قوله: * (ومن أوفى بعهده من الله) * وهو غاية في التأكيد. وثامنها: قوله: * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) * وهو أيضا مبالغة في التأكيد. وتاسعها: قوله: * (وذلك هو الفوز) * وعاشرها: قوله: * (العظيم) * فثبت اشتمال هذه الآية على هذه الوجوه العشرة في التأكيد والتقرير والتحقيق. ونختم الآية بخاتمة وهي أن أبا القاسم البلخي استدل بهذه الآية على أنه لا بد من حصول الأعواض عن آلام الأطفال والبهائم. قال لأن الآية دلت على أنه لا يجوز إيصال ألم القتل وأخذ الأموال إلى البالغين إلا بثمن هو الجنة، فلا جرم قال: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) * فوجب أن يكون الحال كذلك في الأطفال والبهائم، ولو جاز عليهم التمني لتمنوا أن آلامهم تتضاعف حتى تحصل لهم تلك