المسألة الثانية: اختلفوا في أن هذا القول ممن كان؟ فيحتمل أن يكون القائل بذلك هو الشيطان على سبيل الوسوسة، ويحتمل أن يكون بعضهم قال ذلك لبعض لما أرادوا الاجتماع على التخلف، لأن من يتولى الفساد يحب التكثر بأشكاله، ويحتمل أن يكون القائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم لما أذن لهم في التخلف فعاتبه الله، ويحتمل أن يكون القائل هو الله سبحانه لأنه قد كره خروجهم للإفساد، وكان المراد إذا كنتم مفسدين فقد كره الله انبعاثكم على هذا الوجه فأمركم بالقعود عن هذا الخروج المخصوص.
* (لو اخرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) *.
اعلم أنه تعالى بين في هذه الآية أنواع المفاسد الحاصلة من خروجهم وهي ثلاثة: الأول: قوله: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الخبال والشر والفساد في كل شيء، ومنه يسمى العته بالخبل، والمعتوه بالمخبول، وللمفسرين عبارات قال الكلبي: إلا شرا، وقال يمان: إلا مكرا، وقيل: إلا غيا، وقال الضحاك: إلا غدرا، وقيل: الخبال الاضطراب في الرأي، وذلك بتزيين أمر لقوم وتقبيحه لقوم آخرين، ليختلفوا وتفترق كلمتهم.
المسألة الثانية: قال بعض النحويين قوله: * (إلا خبالا) * من الاستثناء المنقطع وهو أن لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، كقولك: ما زادوكم خيرا إلا خبالا، وههنا المستثنى منه غير مذكور وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من الأعم. والعام هو الشيء، فكان الاستثناء متصلا، والتقدير: ما زادوكم شيئا إلا خبالا.
المسألة الثالثة: قالت المعتزلة: إنه تعالى بين في الآية الأولى أنه كره انبعاثهم، وبين في هذه الآية أنه إنما كره ذلك الانبعاث لكونه مشتملا على هذا الخبال والشر والفتنة، وذلك يدل على أنه تعالى يكره الشر والفتنة والفساد على الإطلاق، ولا يرضى إلا بالخير، ولا يريد إلا الطاعة.
النوع الثاني: من المفاسد الناشئة من خروجهم قوله تعالى: * (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) * وفي الإيضاح قولان نقلهما الواحدي.