بعيدا عن الدين كان يأمر أتباعه وأصحابه بأن يسجدوا له، وكان يقول لهم أنتم عبيدي، فكان يلقي إليهم من حديث الحلول والاتحاد أشياء، ولو خلا ببعض الحمقى من أتباعه، فربما ادعى الإلهية، فإذا كان مشاهدا في هذه الأمة، فكيف يبعد ثبوته في الأمم السالفة؟ وحاصل الكلام أن تلك الربوبية يحتمل أن يكون المراد منها أنهم أطاعوهم فيما كانوا مخالفين فيه لحكم الله، وأن يكون المراد منها أنهم قبلوا أنواع الكفر، فكفروا بالله، فصار ذلك جاريا مجرى أنهم اتخذوهم أربابا من دون الله، ويحتمل أنهم أثبتوا في حقهم الحلول والاتحاد. وكل هذه الوجوه الأربعة مشاهد وواقع في هذه الأمة.
ثم قال تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) * ومعناه ظاهر، وهو أن التوراة والإنجيل والكتب الإلهية ناطقة بذلك.
ثم قال: * (لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) * أي سبحانه من أن يكون له شريك في الأمر والتكليف، وأن يكون له شريك في كونه مسجودا ومعبودا، وأن يكون له شريك في وجوب نهاية التعظيم والإجلال.
* (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) *.
اعلم أن المقصود منه بيان نوع ثالث من الأفعال القبيحة الصادرة عن رؤساء اليهود والنصارى، وهو سعيهم في إبطال أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وجدهم في إخفاء الدلائل الدالة على صحة شرعه وقوة دينه، والمراد من النور: الدلائل الدالة على صحة نبوته، وهي أمور كثيرة جدا. أحدها: المعجزات القاهرة التي ظهرت على يده، فإن المعجز إما أن يكون دليلا على الصدق أو لا يكون، فإن كان دليلا على الصدق، فحيث ظهر المعجز لا بد من حصول الصدق، فوجب كون محمد صلى الله عليه وسلم صادقا، وإن لم يدل على الصدق قدح ذلك في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام. وثانيها: القرآن العظيم الذي ظهر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه من أول عمره إلى آخره ما تعلم وما طالع وما استفاد وما نظر في كتاب، وذلك من أعظم المعجزات. وثالثها: أن