واحد، فأما أن تتقدم عليه بأوقات كثيرة فذلك ممتنع، فإن الإنسان الجالس في المكان لا يكون قادرا في هذا الزمان أن يفعل فعلا في مكان بعيد عنه، بل إنما يقدر على أن يفعل فعلا في المكان الملاصق لمكانه. فإذا ثبت أن القدرة عند القوم لا تتقدم الفعل إلا بزمان واحد، فالقوم الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا قادرين على أصول المعتزلة، فيلزمهم من هذه الآية ما ألزموه علينا، وعند هذا يجب علينا وعليهم، أن نحمل الاستطاعة على الزاد والراحلة. وحينئذ يسقط الاستدلال.
المسألة الخامسة: قالوا الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر عنهم أنهم سيحلفون، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل، والأمر لما وقع كما أخبر، كان هذا إخبارا عن الغيب، فكان معجزا. والله أعلم.
* (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) *.
اعلم أنه تعالى بين بقوله: * (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك) * أنه تخلف قوم من ذلك الغزو، وليس فيه بيان أن ذلك التخلف، كان بإذن الرسول أم لا؟ فلما قال بعده: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * دل هذا، على أن فيهم من تخلف بإذنه وفيه مسائل:
المسألة الأولى: احتج بعضهم بهذه الآية على صدور الذنب عن الرسول من وجهين: الأول: أنه تعالى قال: * (عفا الله عنك) * والعفو يستدعي سابقة الذنب. والثاني: أنه تعالى قال: * (لم أذنت لهم) * وهذا استفهام بمعنى الإنكار، فدل هذا على أن ذلك الإذن كان معصية وذنبا. قال قتادة وعمرو بن ميمون: اثنان فعلهما الرسول، لم يؤمر بشيء فيهما، إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من الأسارى، فعاتبه الله كما تسمعون.
والجواب عن الأول: لا نسلم أن قوله: * (عفا الله عنك) * يوجب الذنب، ولم لا يجوز أن يقال: إن ذلك يدل على مبالغة الله في تعظيمه وتوقيره، كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظما عنده، عفا الله عنك. ما صنعت في أمري ورضي الله عنك، ما جوابك عن كلامي؟ وعافاك الله ما عرفت حقي فلا يكون غرضة من هذا الكلام، إلا مزيد التبجيل والتعظيم. وقال علي بن الجهم: فيما يخاطب به المتوكل وقد أمر بنفيه: