والجواب: أنا متمسكون بظاهر قوله تعالى: * (ثم تاب عليهم) * وكلمة * (ثم) * للتراخي، فمقتضى هذا اللفظ تأخير قبول التوبة، فإن حملتم ذلك على تأخير إظهار هذا القبول كان ذلك عدولا عن الظاهر من غير دليل.
فإن قالوا: الموجب لهذا العدول قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) *.
قلنا: صيغة يقبل للمستقبل، وهو لا يفيد الفور أصلا بالإجماع، ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: * (إن الله هو التواب الرحيم) *.
واعلم أن ذكر الرحيم عقيب ذكر التواب، يدل على أن قبول التوبة لأجل محض الرحمة والكرم، لا لأجل الوجوب، وذلك يقوي قولنا في أنه لا يجب عقلا على الله قبول التوبة.
* (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *.
واعلم أنه تعالى لما حكم بقبول توبة هؤلاء الثلاثة، ذكر ما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى، وهو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) * في مخالفة أمر الرسول * (وكونوا مع الصادقين) * يعني مع الرسول وأصحابه في الغزوات، ولا تكونوا متخلفين عنها وجالسين مع المنافقين في البيوت، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كل وقت، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل، ومتى امتنع إطباق الكل على الباطل، وجب إذا أطبقوا على شيء أن يكونوا محقين. فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: المراد بقوله: * (كونوا مع الصادقين) * أي كونوا على طريقة الصادقين، كما أن الرجل إذا قال لولده: كن مع الصالحين، لا يفيد إلا ذلك سلمنا ذلك، لكن نقول: إن هذا الأمر كان موجودا في زمان الرسول فقط، فكان هذا أمرا بالكون مع الرسول، فلا يدل على وجود صادق في سائر الأزمنة سلمنا ذلك، لكن لم لا يجوز أن يكون الصادق هو المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما تقوله الشيعة؟
والجواب عن الأول: أن قوله: * (كونوا مع الصادقين) * أمر بموافقة الصادقين، ونهى عن مفارقتهم، وذلك مشروط بوجود الصادقين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فدلت هذه