" الكشاف ": قربات مفعول ثان ليتخذ، والمعنى: أن ما ينفقه لسبب حصول القربات عند الله تعالى وصلوات الرسول، لأن الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم. كقوله: " اللهم صل على آل أبي أوفى " وقال تعالى: * (وصل عليهم) * فلما كان ما ينفق سببا لحصول القربات والصلوات، قيل: إنه يتخذ ما ينفق قربات وصلوات. وقال تعالى: * (ألا إنها قربة لهم) * وهذا شهادة من الله تعالى للمتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات، وقد أكد تعالى هذه الشهادة بحرف التنبيه، وهو قوله: * (ألا) * وبحرف التحقيق، وهو قوله: * (إنها) * ثم زاد في التأكيد، فقال: * (سيدخلهم الله في رحمته) * وقد ذكرنا أن إدخال هذا السين يوجب مزيد التأكيد. ثم قال: * (إن الله غفور) * لسيئاتهم * (رحيم) * بهم حيث وفقهم لهذه الطاعات. وقرأ نافع * (ألا إنها قربة) * بضم الراء وهو الأصل، ثم خففت نحو: كتب، ورسل، وطنب، والأصل هو الضم، والإسكان تخفيف.
* (والسابقون الاولون من المهاجرين والأنصار والذين تبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا ذلك الفوز العظيم) *.
واعلم أنه تعالى لما ذكر فضائل الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله وصلوات الرسول، وما أعد لهم من الثواب، بين أن فوق منزلتهم منازل أعلى وأعظم منها، وهي منازل السابقين الأولين. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار من هم؟ وذكروا وجوها: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الذين صلوا إلى القبلتين وشهدوا بدرا وعن الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة، وفي النصرة، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون فيماذا فبقي اللفظ مجملا إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا وهو الهجرة والنصرة، فوجب أن يكون المراد منه السابقون الأولون في الهجرة والنصرة