قوله تعالى في الآية: * (ذلك بأنهم كفروا بالله) * فبين أن العلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفار الرسول وإن بلغ سبعين مرة، كفرهم وفسقهم، وهذا المعنى قائم في الزيادة على السبعين، فصار هذا التعليل شاهدا بأن المراد إزالة الطمع في أن ينفعهم استغفار الرسول عليه السلام مع إصرارهم على الكفر، ويؤكده أيضا قوله تعالى: * (والله لا يهدي القوم الفاسقين) * والمعنى أن فسقهم مانع من الهداية. فثبت أن الحق ما ذكرناه.
المسألة الخامسة: قال المتأخرون من أهل التفسير، السبعون عند العرب غاية مستقصاة لأنه عبارة عن جميع السبعة عشر مرات، والسبعة عدد شريف لأن عدد السماوات والأرض والبحار والأقاليم والنجوم والأعضاء، هو هذا العدد. وقال بعضهم: هذا العدد إنما خص بالذكر ههنا لأنه روى أن النبي عليه السلام كبر على حمزة سبعين تكبيرة، فكأنه قيل: * (إن تستغفر لهم سبعين مرة بإزاء صلاتك على حمزة، وقيل: الأصل فيه قوله تعالى: * (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) * (البقرة: 261) وقال عليه السلام: " الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة " فلما ذكر الله تعالى هذا العدد في معرض التضعيف لرسوله صار أصلا فيه.
* (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وقالوا لا تنفروا فى الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون * فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزآء بما كانوا يكسبون) *.
اعلم أن هذا نوع آخر من قبائح أعمال المنافقين، وهو فرحهم بالقعود وكراهتهم الجهاد قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، والمخلف المتروك ممن مضى.
فإن قيل: إنهم احتالوا حتى تخلفوا، فكان الأولى أن يقال فرح المتخلفون.