بصريح هذا اللفظ أنه لا مؤثر في منع قبول هذه الأعمال إلا الكفر، وعند هذا يصير هذا الكلام من أوضح الدلائل على أن الفسق لا يحبط الطاعات، لأنه تعالى لما قال: * (إنكم كنتم قوما فاسقين) * فكأنه سأل سائل وقال: هذا الحكم معلل بعموم كون تلك الأعمال فسقا، أو بخصوص كون تلك الأعمال موصوفة بذلك الفسق؟ فبين تعالى به ما أزال هذه الشبهة، وهو أن عدم القبول غير معلل بعموم كونه فسقا، بل بخصوص وصفه وهو كون ذلك الفسق كفرا. فثبت أن هذا الاستدلال باطل.
* (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلوة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: دل صريح هذه الآية على أنه لا تأثير للفسق من حيث إنه فسق في هذا المنع، وذلك صريح في بطلان قول المعتزلة على ما لخصناه وبيناه.
المسألة الثانية: ظاهر اللفظ يدل على أن منع القبول بمجموع الأمور الثلاثة، وهي الكفر بالله ورسوله، وعدم الإتيان بالصلاة إلا على وجه الكسل، والإنفاق على سبيل الكراهية.
ولقائل أن يقول: الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبول، وعند حصول السبب المستقل لا يبقى لغيره أثر، فكيف يمكن إسناد هذا الحكم إلى السببين الباقيين؟
وجوابه: أن هذا الإشكال إنما يتوجه على قول المعتزلة، حيث قالوا: إن الكفر لكونه كفرا يؤثر في هذا الحكم، أما عندنا فإن شيئا من الأفعال لا يوجب ثوابا ولا عقابا البتة، وإنما هي معرفات واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد محال، بل نقول: إن هذا من أقوى الدلائل اليقينية على أن هذه الأفعال غير مؤثرة في هذه الأحكام لوجوه عائدة إليها، والدليل عليه أنه تعالى بين أنه حصلت هذه الأمور الثلاثة في حقهم، فلو كان كل واحد منها موجبا تاما لهذا الحكم، لزم أن يجتمع على الأثر الواحد أسباب مستقلة، وذلك محال، لأن المعلول يستغنى بكل واحد منها عن كل واحد منها، فيلزم افتقاره إليها بأسرها حال استغنائه عنها بأسرها، وذلك