يبطل كون الطائفة جماعة يحصل العلم بخبرهم.
فإن قالوا: إنه تعالى أوجب العمل بقول أولئك الطوائف ولعلهم بلغوا في الكثرة إلى حيث يحصل العلم بقولهم.
قلنا: إنه تعالى أوجب على كل طائفة أن يرجعوا إلى قومهم وذلك يقتضي رجوع كل طائفة إلى قوم خاص، ثم إنه تعالى أوجب العلم بقول تلك الطائفة وذلك يفيد المطلوب.
وأما قوله: * (ولينذروا قومهم) * يصح وإن لم يجب القبول. فنقول إنا لا نتمسك في وجوب العمل بخبر الواحد بقوله: * (ولينذروا) * بل بقوله: * (لعلهم يحذرون) * ترغيب منه تعالى في الحذر، بناء على أن ذلك الإنذار يقتضي إيجاب العمل على وفق ذلك الإنذار، وبهذا الجواب خرج الجواب عن سؤاله الثالث وهو قوله: الإنذار يتضمن التخويف، وهذا القدر لا يقتضي وجوب العمل به.
المسألة الرابعة: دلت الآية على أنه يجب أن يكون المقصود من التفقه والتعلم دعوة الخلق إلى الحق، وإرشادهم إلى الدين القويم والصراط المستقيم، لأن الآية تدل على أنه تعالى أمرهم بالتفقه في الدين، لأجل أنهم إذا رجعوا إلى قومهم أنذروهم بالدين الحق، وأولئك يحذرون الجهل والمعصية ويرغبون في قبول الدين. فكل من تفقه وتعلم لهذا الغرض كان على المنهج القويم والصراط المستقيم، ومن عدل عنه وطلب الدنيا بالدين كان من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
* (يا أيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) *.
اعلم أنه نقل عن الحسن أنه قال: هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال المشركين كافة، ثم إنها صارت منسوخة بقوله: * (قاتلوا المشركين كافة) * (التوبة: 36) وأما المحققون فإنهم أنكروا هذا النسخ وقالوا: إنه تعالى لما أمر بقتال المشركين كافة أرشدهم في ذلك الباب إلى الطريق الأصوب الأصلح، وهو أن يبتدؤا من الأقرب فالأقرب، منتقلا إلى الأبعد فالأبعد. ألا ترى أن أمر الدعوة وقع على هذا الترتيب قال تعالى: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * (الشعراء: 214) وأمر الغزوات وقع على هذا الترتيب لأنه عليه السلام