هم خالدون) * يفيد الحصر، أي هم فيها خالدون لا غيرهم، ولما كان هذا الكلام وارد في حق الكفار، ثبت أن الخلود لا يحصل إلا للكافر. الثاني: أنه تعالى جعل الخلود في النار جزاء للكفار على كفرهم، ولو كان هذا الحكم ثابتا لغير الله لما صح تهديد الكافر به، ثم إنه تعالى لما بين أن الكافر ليس له أن يشتغل بعمارة المسجد، بين أن المشتغل بهذا العمل يجب أن يكون موصوفا بصفات أربعة:
الصفة الأولى: قوله: * (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) * وإنما قلنا إنه لا بد من الإيمان بالله لأن المسجد عبارة عن الموضع الذي يعبد الله فيه، فما لم يكن مؤمنا بالله، امتنع أن يبني موضعا يعبد الله فيه، وإنما قلنا إنه لا بد من أن يكون مؤمنا بالله واليوم الآخر لأن الاشتغال بعبادة الله تعالى إنما تفيد في القيامة، فمن أنكر القيامة لم يعبد الله، ومن لم يعبد الله لم يبن بناء لعبادة الله تعالى.
فإن قيل: لم لم يذكر الإيمان برسول الله؟
قلنا فيه وجوه: الأول: أن المشركين كانوا يقولون: إن محمدا إنما ادعى رسالة الله طلبا للرياسة والملك، فههنا ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، وترك النبوة كأنه يقول مطلوبي من تبليغ الرسالة ليس إلا الإيمان بالمبدأ والمعاد، فذكر المقصود الأصلي وحذف ذكر النبوة تنبيها للكفار على أنه لا مطلوب له من الرسالة إلا هذا القدر. الثاني: أنه لما ذكر الصلاة، والصلاة لا تتم إلا بالأذان والإقامة والتشهد، وهذه الأشياء مشتملة على ذكر النبوة كان ذلك كافيا. الثالث: أنه ذكر الصلاة، والمفرد المحلى بالألف واللام ينصرف إلى المعهود السابق، ثم المعهود السابق من الصلاة من المسلمين ليس إلا الأعمال التي كان أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ذكر الصلاة دليلا على النبوة من هذا الوجه.
الصفة الثانية: قوله: * (وأقام الصلاة) * والسبب فيه أن المقصود الأعظم من بناء المساجد إقامة الصلوات، فالإنسان ما لم يكن مقرا بوجوب الصلوات امتنع أن يقدم على بناء المساجد.
الصفة الثالثة: قوله: * (وآتى الزكاة) *.
واعلم أن اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في عمارة المسجد كأنه يدل على أن المراد من عمارة المسجد الحضور فيه، وذلك لأن الإنسان إذا كان مقيما للصلاة فإنه يحضر في المسجد فتحصل عمارة المسجد به، وإذا كان مؤتيا للزكاة فإنه يحضر في المسجد طوائف الفقراء والمساكين لطلب أخذ الزكاة فتحصل عمارة المسجد به. وأما إذا حملنا العمارة على مصالح البناء فإيتاء الزكاة معتبر في هذا