لأجلها، ضم الرسول عليه الصلاة والسلام إليهم في قبول التوبة. المسألة الثانية: في المراد بساعة العسرة قولان:
القول الأول: أنها مختصة بغزوة تبوك، والمراد منها الزمان الذي صعب الأمر عليهم جدا في ذلك السفر والعسرة تعذر الأمر وصعوبته. قال جابر: حصلت عسرة الظهر وعسرة الماء وعسرة الزاد. أما عسرة الظهر: فقال الحسن: كان العشرة من المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم، وأما عسرة الزاد، فربما مص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها حتى لا يبقى من التمرة إلا النواة، وكان معهم شيء من شعير مسوس، فكان أحدهم إذا وضع اللقمة في فيه أخذ أنفه من نتن اللقمة. وأما عسرة الماء: فقال عمر: خرجنا في قيظ شديد وأصابنا فيه عطش شديد، حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه ويشربه.
واعلم أن هذه الغزوة تسمى غزوة العسرة، ومن خرج فيها فهو جيش العسرة. وجهزهم عثمان وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
والقول الثاني: قال أبو مسلم: يجوز أن يكون المراد بساعة العسرة جميع الأحوال والأوقات الشديدة على الرسول وعلى المؤمنين، فيدخل فيه غزوة الخندق وغيرها. وقد ذكر الله تعالى بعضها في كتابه كقوله تعالى: * (وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر) * (الأحزاب: 10) وقوله: * (لقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم) * (آل عمران: 152) الآية، والمقصود منه وصف المهاجرين والأنصار بأنهم اتبعوا الرسول عليه السلام في الأوقات الشديدة والأحوال الصعبة، وذلك يفيد نهاية المدح والتعظيم.
ثم قال تعالى: * (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) * وفيه مباحث:
البحث الأول: فاعل * (كاد) * يجوز أن يكون * (قلوب) * والتقدير: كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ويجوز أن يكون فيه ضمير الأمر والشأن، والفعل والفاعل تفسير للأمر والشأن، والمعنى: كادوا لا يثبتون على اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الغزوة لشدة العسرة.
البحث الثاني: قرأ حمزة وحفص عن عاصم * (يزيغ) * بالياء لتقدم الفعل، والباقون بالتاء لتأنيث قلوب، وفي قراءة عبد الله * (من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم) *.
البحث الثالث: * (كاد) * عند بعضهم تفيد المقاربة فقط، وعند آخرين تفيد المقاربة مع عدم الوقوع، فهذه التوبة المذكورة توبة عن تلك المقاربة، واختلفوا في ذلك الذي وقع في قلوبهم. فقيل: هم بعضهم عند تلك الشدة العظيمة أن يفارق الرسول، لكنه صبر واحتسب. فلذلك قال تعالى: